مقابلات

الزمر: مؤتمر عام لبحث وتطوير التيار الإسلامي العام الجاري

طارق الزمر أكد أن وقوف الإسلاميين عند المعارك الفرعية والخلافات الهامشية "خطأ فادح"- عربي21

* المؤتمر العام سيضع ملامح رؤية التيار الإسلامي للقرن الجديد

 

* المؤتمر العام سيكون بمشاركة ممثلين للفاعلين الرئيسيين داخل التيار الإسلامي من كافة مستويات ودرجات التفكير

 

* أدعو الحركات الإسلامية لإيجاد أشكال جديدة للوجود وإعادة ترتيب أوضاعها وبرامجها لاستمرار عملها وتحقيق أهدافها

 

* مبادرة تطوير التيار الإسلامي ستكون مهمتي الأخيرة في مجال العمل العام

 

* مبادرتي لم تكن مجرد تعبير شخصي بل هي توجه يتنامى داخل التيار الإسلامي

 

* الظروف والملابسات لا تتيح للتيار الإسلامي الحكم منفردا ولا بد من رؤية استراتيجية جديدة لحضوره في القرن الـ21

 

* جمود الحركات الإسلامية عند فكرة التنظيم التقليدي التي ابتكرها حسن البنا لم يعد ملائما في ضوء التحديات الكبرى

 

* لو كنت في موقع الحركة المدنية لدعوت لمصالحة وطنية وإصدار تشريعات جديدة تتيح لجميع المصريين المشاركة في الانتخابات

 

* يجب ضخ الدماء في عروق مؤسسات الدولة وأوعيتها الحيّة التي أبدت وتبدي عدم القناعة بالقيادة الحالية

 

* الاصطفاف الوطني وفق مشروع سياسي جامع هو مفتاح إنقاذ بلادنا من الانهيار وشعبنا من الظلم

 

* أخطر أسباب تمكّن الاستبداد من رقاب مجتمعاتنا هو الخلاف المزمن بين التيارين الإسلامي والعلماني

 
كشف الرئيس السابق لحزب البناء والتنمية المصري، طارق الزمر، أنه سيتم عقد مؤتمر عام خلال هذه السنة 2020 بمشاركة ممثلين للفاعلين الرئيسيين داخل التيار الإسلامي من كافة مستويات ودرجات التفكير، للإعلان عن أهم مبادئ التيار الإسلامي المعاصر، وأهم الأهداف التي يجب أن يعمل عليها خلال العشر سنوات المقبلة، وذلك ضمن إطار مبادرة تجديد وتطوير التيار الإسلامي واستعادة فاعليته، مؤكدا أنه ما زال يعمل مع آخرين على إنضاج وصياغة تلك المبادرة.

وكان الزمر قد طرح سابقا مبادرة تدعو لإعلان التيار الإسلامي عدم مشاركته في الحكم لمدة 10 سنوات مقبلة، وعدم المنافسة في الانتخابات البرلمانية على أكثر من 40% من المقاعد، بهدف تطمين كل القوى الداخلية والخارجية المتخوفة من أغلبية التيار الإسلامي.

وشدّد الزمر على ضرورة إعادة ترتيب أوضاع التيار الإسلامي داخل المجتمع، وإعادة صياغة مشروعه، والتحلي بالواقعية في التخطيط، والتخلي عن النظرة الرومانسية الحالمة، لافتا إلى أن "التغيير لا يهبط من السماء بالباراشوت، وإنما مُقيد بشروط وقوانين الحركة على الأرض".

وأشار، في الحلقة الثانية من مقابلته الخاصة مع "عربي21"، إلى أن مبادرته لم تكن مجرد تعبير شخصي بقدر ما هي تعبير عن توجه يتنامى داخل التيار الإسلامي، مؤكدا أن "مراكز التفكير النشطة والجادة داخل التيار الإسلامي مُدركة تماما لضرورة التطوير، وخاصة في ضوء التحولات الكبرى التي يشهدها الواقع السياسي والاجتماعي حولنا".

 

اقرأ أيضا: طارق الزمر: ثورة يناير انتصرت.. وخلع مبارك تحول تاريخي

وكشف الزمر أنه يعتبر المبادرة التي يعكف عليها، مع آخرين، هي مهمته الأخيرة في مجال العمل العام، وذلك في إشارة إلى اعتزاله العمل السياسي والعام، مضيفا: "أرجو أن ألقى الله بها ناصحا أمينا راجيا منه الأجر والثواب".

وعن رفض الحركة المدنية الديمقراطية مشاركة الإخوان في الانتخابات القادمة، قال الزمر: "لو كنت في موقعهم لاخترت طرحا سياسيا آخر يستند إلى فتح الأبواب أمام المصالحة الوطنية، واستصدار تشريعات انتخابية جديدة تتيح لجميع المصريين المشاركة في الانتخابات، ولدعوت إلى تشكيل جبهة وطنية واسعة تشمل كل الأطياف السياسية بهدف إخراج مصر من أزمتها، وإعادة بناء النظام السياسي على أسس رشيدة".

وتاليا نص الحلقة الثانية من المقابلة الخاصة:

 

هل أنتم مع فكرة النزول للشوارع والميادين في ظل المعطيات الراهنة خاصة في ظل عدم وجود قيادة على الأرض تنظم الحراك وتوجهه وفي ظل عدم الاتفاق على شكل المستقبل في مرحلة ما بعد "السيسي"؟

 

بطبيعة الحال لست مع مجرد التظاهر، وخاصة إذا كانت تكلفته باهظة بهذا الشكل، ولا يُتوقع من ورائه نتائج حاسمة؛ ففي أزمنة الثورات المضادة لا بد من ابتكار وسائل سلمية أخرى للاحتجاج غير التظاهر الذي يترتب عليه صدام مباشر مع الآليات العسكرية، حيث لا ينبغي أن نعرض لحمنا الحي للحديد الأصم.

كما أن هذا لا يلغي دعم احتجاجات الفئات المختلفة، والتي تكون مبررة بشكل أكبر وذات طابع موضوعي، أما الدعوة للمظاهرات العامة بمعنى الثورة فهذا ينبغي أن يكون مدروسا بعناية، وأن تتوافر له توقيتات مناسبة وظروف وشروط كثيرة تؤهله للنجاح، والتي منها بالضرورة وسائل للاتصال وتنظيم للحراك وتحديد لأهدافه بدقة، إضافة إلى ضرورة وجود قيادة ومشروع سياسي محدد الملامح حتى لا نكرر أخطاء 2011.

كثيرون يرون أن المعارضة المصرية الآن في أضعف وأسوأ حالاتها وقد فشلت في تحقيق أهدافها المأمولة.. فكيف تقيّمون أداء وخطاب المعارضة في الداخل والخارج؟

 
الحقيقة أن مشكلات وعيوب المعارضة المصرية كثيرة، وهي عيوب ومشكلات مزمنة برغم أنها قد توافر لها منذ ثورة يناير ظروف وإمكانيات ربما لم تتوافر لها على طول تاريخها لهذا فما ينقصها اليوم هو تنظيم مواردها البشرية الغزيرة وتفعيل خبراتها الكثيفة، وتجاوز العصبيات الحزبية والانقسامات الأيديولوجية والسياسية، وعدم التفاتها للأصوات الهامشية والغريبة التي احترفت تمزيق الصف وصناعة الاحتقانات، وبعدها ستجد أن خطواتها نحو الهدف ستكون أوضح وستجد الشعب معها كتفا بكتف، بل يسابقها كما حدث عام 2011.

كما أن تعذر الأهداف الكلية لا ينبغي أن يوقف العمل من أجل الأهداف الجزئية والمرحلية وليس هناك ما يمنع من الاشتباك السياسي مع الحالة الاستبدادية المتغطرسة في مصر، بل أزعم أن أمامنا مساحات عمل كثيرة في هذا المجال لم نقتحمها حتى الآن برغم أنها يمكنها محاصرة الفساد السياسي المتحكم في بلادنا، وذلك من خلال استراتيجية تعتمد الهجوم السياسي المنظم والمنسق في مواجهة فاشية صماء لا تعرف غير القمع، ولا يحرجها ويحاصرها شيء أفضل من الخطاب السياسي المتزن، والذي يمكنه أن يبني في مواجهتها مساحات ضغط كبيرة.

كما يجب أن يكون من بين أهدافنا العمل على ضخ الدماء في عروق مؤسسات الدولة وأوعيتها الحيّة التي أبدت وتبدي عدم القناعة بالقيادة الحالية للأزمة المصرية.

لماذا فشلت كل محاولات اصطفاف القوى الوطنية المصرية على اختلاف أطيافها رغم الكثير والكثير من المحاولات والمبادرات؟


هناك أسباب ترجع لميراث الانقسام الطويل، والذي كان وما زال يحرص عليه الاستبداد، وهناك أسباب أيديولوجية وأخرى سياسية، لكنها كلها في الحقيقة لا تبرر لهذا الجيل - الذي عايش ثورة يناير - استمرار هذه الخطيئة، لأنه يعلم أن الاصطفاف الوطني هو مفتاح إنقاذ بلادنا من الانهيار وشعبنا من الظلم، وذلك وفق مشروع سياسي جامع، وما بعده سيكون يسيرا.

الروائي والدبلوماسي السابق عز الدين شكري فشير، قال إن هناك مستحيلين للإسلام السياسي والعلمانيين: أن يتحالفا أو أن يقضي أحدهما على الآخر، داعيا إياهما لإنهاء حربهما الأهلية، لأن كل ما يحققه الصراع بينهما هو استمرار للمعاناة وللفرص الضائعة لإقامة نظم حكم رشيدة حيث تصبح الديكتاتورية ضرورية لإبقاء الطرف الآخر بعيدا عن سدة الحكم.. هل تتفق معه؟

 
أتفق مع ما طرحه د. عز الدين شكري، بل ليس لدي شك في أن أخطر أسباب تمكن الاستبداد من رقاب مجتمعاتنا مرتبط بذلك الخلاف المزمن بين التيارين الإسلامي والعلماني، والذي استطاعت النظم المتعاقبة أن توظفه لصالح استدامة حكمها الاستبدادي والفاشي بسهولة، ولم نجد حتى الآن من القادة والمفكرين من التيارين من يتصدى لإيجاد مخرج من هذه الحلقة الجهنمية..

علما بأنه من دواعي الأسى والأسف أن دولة كبرى مثل مصر بقاماتها الفكرية ورسوخ تأثيرها الثقافي في محيطها العربي والإسلامي تعجز عن إيجاد حلول لهذه المعضلة، لكنني أرى أن استحالة التحالف ليس بسبب غياب قواعده وأصوله الفكرية والفقهية، لكن بسبب الفشل في توظيف ذلك لبناء إطار التعايش الذي يطمح إليها الدكتور عز الدين.

طرحت قبل شهور مبادرة لتجديد وتطوير التيار الإسلامي واستعادة فاعليته.. ما الذي انتهت إليه تلك المبادرة؟ وماذا كانت ردود فعل الإسلاميين على مبادرتكم؟


الحقيقة أن مراكز التفكير النشطة والجادة داخل التيار الإسلامي مُدركة تماما لضرورة التطوير، وخاصة في ضوء التحولات الكبرى التي يشهدها الواقع السياسي والاجتماعي حولنا، ولهذا فإن مبادرتي لم تكن مجرد تعبير شخصي بقدر ما هي تعبير عن توجه يتنامى داخل التيار الإسلامي، وأهم ما يراه هذا التوجه هو أولوية إعادة الاعتبار لصورة الإسلام في العالم بعد أن نالت منها الدعاية المعادية، وخاصة خلال العشرين عاما الماضية..

كما أنه يرى ضرورة ترتيب وضعية الحركات الإسلامية داخل مجتمعاتها في ضوء أهداف وبرامج، بل وأشكال جديدة تتيح لها الاستمرار كما تتيح لها استمرار القدرة على تحقيق الأهداف؛ فتجميد شكل الحركات الإسلامية عند فكرة التنظيم التقليدي التي ابتكرها الإمام حسن البنا يُعد نوعا من الجمود غير المحمود، كما أن ذلك لم يعد ملائما في ضوء التحديات الكبرى التي تواجهها الحركات الإسلامية المعاصرة والتطورات المذهلة التي شهدها العالم خلال الثلاثين عاما الأخيرة.

علما بأنني أرى أنه من الخطأ الفادح أن نرى تلك الجراح الاستراتيجية التي تلتهم جسد الأمة، ونظل واقفين عند المعارك الفرعية، والخلافات الهامشية التي تتجاوزها التطورات الكبرى والمتلاحقة.

هل هناك خطوة أخرى للمبادرة من وجهة نظرك؟

 

إن غاية المبادرة التي ما زلت أعمل عليها مع آخرين هي الدعوة لعقد مؤتمر عام خلال هذه السنة 2020 بمشاركة ممثلين للفاعلين الرئيسيين داخل التيار الإسلامي من كافة مستويات ودرجات التفكير للإعلان عن "أهم مبادئ التيار الإسلامي المعاصر، وأهم الأهداف التي يجب أن يعمل عليها خلال العشر سنوات القادمة"، وهو ما يجب أن يرسل الرسائل التي أصبحت ضرورية لإزالة الالتباس السائد بين التيار الإسلامي والعالم، وأيضا لتفكيك جزء كبير من الأزمات داخل بلادنا، والتي بنيت على الحواجز المصطنعة وغياب الثقة بين كافة الأطراف، وهو إعلان يحتاج إلى قدر كبير من الشجاعة التي اقتحمت بها التيارات الإسلامية معارك أخرى أقل أهمية. علما بأني أعتبر أن هذه هي مهمتي الأخيرة في مجال العمل العام، والتي أرجو أن ألقى الله بها ناصحا أمينا راجيا منه الأجر والثواب.

لماذا نجد جمودا في فكر وحركة التيار الإسلامي بمصر، حتى إن قياداته لا تترك مواقعها وهو الأمر الذي يحول دون تجديد الدماء وتصعيد الشباب، رغم أن هذا هو الأمر الذي تعيب عليه الحركة الإسلامية المستبدين؟


أتفق معك في وجود هذا الخلل، وإن كان البعض يحمل الظروف مسؤولية ذلك، لكن هذا لا يعني أن الظروف وحدها تتحمل كل مظاهره؛ فالخلل الرئيس مصدره داخلي، وربما يكون هو الذي بنيت عليه كل أسباب ومظاهر الخلل الأخرى، ومن ذلك ما نراه من الجمود في الهياكل التنظيمية والقيادات، وهو ما يجعلنا نقف اليوم بشكل حاد في مواجهة سنن التغيير وقواعد العمران، بل وقوانين الحياة.

كما أن من مظاهر هذا الجمود غياب دور المفكرين أو محاصرته لصالح تركز دور التنظيم ومحورية دور القيادات التقليدية، وهو ما منع أيضا من الاستفادة من تجارب أخرى أكثر نشاطا ولا سيما في المغرب العربي حيث سبقتنا نحو التجديد واستطاعت أن تتفادى مطبات عديدة استغرقتنا في المشرق.

قلت إن هناك تصورا مطروحا للنقاش حول إعلان التيار الإسلامي عدم مشاركته في الحكم لمدة 10 سنوات مقبلة، وعدم المنافسة في الانتخابات البرلمانية على أكثر من 40% من المقاعد.. هل تم اعتماد هذا التصور؟

 
الحقيقة أن هذه أهم عناصر المبادرة التي أطلقتها منذ خمس سنوات، وما زلت أراها ضرورية، لتفكيك أجزاء مهمة من الصراعات غير الضرورية، والتي أصبحت ملازمة لمجرد ظهور التيار الإسلامي في أي مجتمع من مجتمعاتنا، وخاصة بعد أن تأكد أن الظروف والملابسات لا تتيح للتيار الإسلامي الحكم منفردا، وهي تعبر عن أحد جوانب المشروع الكامل للتطوير والتجديد والتموضع الجديد الذي أصبح اليوم ضروريا في إطار رؤية شاملة لحضور التيار الإسلامي في القرن الـ21، وذلك انطلاقا من رؤية استراتيجية للعمل خلال هذا العقد الهام والخطير حتى العام 2030.

ألا ترى أنكم بحاجة لمراجعات كبيرة بشأن الموقف من فكرة الثورة خاصة أن التيار الإسلامي لا يؤمن بفكر الثورات، كما يقول البعض؟ وهل الثورة في حد ذاتها تُعد أمرا مطلوبا طوال الوقت؟


المراجعات والنقد الذاتي ضرورة في كل وقت، وخاصة ممن يتصدرون قيادة التحولات الكبرى في مجتمعاتهم، وإذا أنكروا أهمية ذلك فتأكد أن المشوار ما زال طويلا، وأنهم غير مؤهلين للقيام بالمهمة التي نصبوا أنفسهم لها.

أما عن فكر الثورة فهي ليست بعيدة عن التيار الإسلامي، بل هي مرتبطة بوجوده لزوما، وذلك لأن الإسلام في حد ذاته ثورة على كل الأوضاع الفاسدة والقواعد الاجتماعية الجائرة، وهو قادر على بناء بيئة الثورة بشكل تلقائي ودون تكلف، وهذا أحد أهم أسباب الحرب الكونية المشرعة في مواجهته الآن، والتي أصبحت أكثر وضوحا منذ المؤشرات الأولى لعصر القطبية الأحادية.

الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم مجموعة من أحزاب "المعارضة" داخل مصر تعتزم المشاركة في الانتخابات المقبلة لكنها طرحت مشروع قانون للانتخابات يقضي بإقصاء جماعة الإخوان، فقد دعت لمشاركة الأحزاب السياسية المشروعة والقائمة فقط في الانتخابات القادمة، "أملا في الحد من إمكانية تسلل جماعة الإخوان المسلمين للبرلمان، عبر ترشيح المستقلين وحدهم".. كيف ترون هذا الإقصاء؟ وكيف تقيمون أداء الحركة المدنية؟

 
الحركة المدنية المصرية تحمل في تصميمها وتكوينها ذات الفكرة التي ندعو إليها حيث ضرورة الاصطفاف لمواجهة الحالة الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وهو توجه نؤيده بشدة، لكنها في الحقيقة تأسست على ما يتناقض مع جوهر مبدأ الاصطفاف الوطني، وهو تعميق الاستقطاب الفكري والسياسي من خلال تأكيدها على معاداة الإخوان.

كما أنها في الحقيقة لم تستطع أن تتجاوز خلافاتها السياسية، ومن ثم لم تستطع في نظري بلورة رؤية جادة بحجم الأزمة التي يعيشها مجتمعنا. كما أنها تحمل في بعض جوانب تفكيرها ذات المشكلات التي طالما حذرنا منها وأخطرها النزوع نحو الإقصاء برغم أنها لا تزال تمثل مشروعا جنينيا فماذا لو حكم؟ كما أنها تتصور أنها يمكنها أن تتقرب للذئب بقطعة غالية من لحمها الحي، وكان يسعها غير ذلك.

ولو كنت في موقعهم لاخترت طرحا سياسيا آخر يستند إلى فتح الأبواب أمام المصالحة الوطنية، واستصدار تشريعات انتخابية جديدة تتيح لجميع المصريين المشاركة في الانتخابات، ولدعوت إلى تشكيل جبهة وطنية واسعة تشمل كل الأطياف السياسية بهدف إخراج مصر من أزمتها، وإعادة بناء النظام السياسي على أسس رشيدة؛ فهذا في نظري ما يتفق مع الأصول الرئيسة للمعارضة الوطنية، ولا ينكر أيضا الواقع السياسي ولا الأوزان الثقيلة للقوى السياسية، والتي يسعى المستبدون دائما لإنكارها، ولهذا فهم لم يحققوا يوما استقرارا سياسيا حقيقيا ولن يحققوه.

ورغم ذلك أدعو جميع زملائي المعارضين، وخاصة من هم بالخارج، لطرح سياسي موازي وداعم لطرح الحركة المدنية المرتبط بالمشاركة الانتخابية ولا يتقاطع معها، بل نعطيها الفرصة كاملة للمنازلة التي تراها مناسبة، ونقدم لها العون السياسي اللازم؛ فلا ينبغي لمن يزعم امتلاك الرؤية الواضحة أن يتقاطع مع من يسير بالتوازي معه، وإن كانت سيارته تفتقد للإضاءة.

هناك أصوات من داخل النظام وبعض المقربين منه يروجون لإنفراجة وإصلاحات سياسية وإعلامية واقتصادية.. هل هناك مؤشرات لحدوث تلك الإصلاحات مستقبلا برأيك؟


حتى نتصور الأزمة المصرية الحالية بشكل صحيح يجب ألا نقع أسرى للإشاعات التي يطلقها النظام طوال الوقت لتحسين صورته أحيانا، ولتثبيط همم المعارضين أحيانا أخرى، علما بأن هناك سياقات سابقة كانت تجعل هذه الإشاعات أكثر مصداقية، لكنها اليوم تتعارض تماما مع السياق الاستبدادي الكارثي الذي لم يعد يرى الحياة بغير المزيد من الاستبداد والديكتاتورية إضافة للمزيد من العناصر والعوامل على المستوى الخارجي التي تعطيه مهلة أخرى وتسمح له بالمزيد من إحكام قبضته على المجتمع وكل قواه الحيّة.