كتاب عربي 21

فشل اتفاقي الحديدة والرياض.. مأزق أم فرصة؟

1300x600
انتهى اتفاق الرياض تقريباً إلى الفشل، لكن السعودية ليست في عجلة من أمرها لتقرير الخطوة التالية، لأن الرئيس الذي يتحكم بقرار السلطة الشرعية يتواجد بالقرب من قصر اليمامة الملكي في الرياض، ويخضع لرقابة صارمة وتحسب عليه أنفاسه وهو بدوره مرتاح إلى وضعية كهذه.

لم تظهر الساحة اليمنية بهذا القدر من عدم اليقين بشأن مصير الصراع وأدواته، ومن هو المستهدف من هذه الأطراف، وكيف سيتم تحديد الغنائم السياسية.

كل الإشارات الكاشفة تأتي من جهة الإمارات التي ألمحت صحيفة تابعة لها تصدر في لندن؛ إلى أن تسوية يجري طبخها في الأروقة الدولية، وملخصها أن الوضع في اليمن سينتهي إلى تثبيت قوى الأمر الواقع على ما يقع تحت أيديها. والإشارة هنا بالتأكيد إلى الحوثيين الذين تجري الرياض معهم محادثات سرية، وإلى المجلس الانتقالي الجنوبي الذي نصبته الإمارات في عدن وكيلاً للقضية الجنوبية وحصان طروادة لتمرير طموحاتها السياسية في نفوذ طويل الأمد في جنوب اليمن.

استدعيت السلطة الشرعية أواخر 2018 وأواخر 2019 للتوقيع على اتفاقي إذعان، الأول هو اتفاق استوكهولم وفي القلب اتفاق الحديدة، والثاني هو اتفاق الرياض الذي أدخل الانفصاليين الجنوبيين كطرف في تقرير مصير البلاد بذات الأدوات والإمكانيات والتسهيلات.

هذان الاتفاقان يشبهان كثيراً في أهدافهما السياسية والجيوسياسية اتفاق السلم والشراكة؛ الذي أُجبرت الأحزاب السياسية على توقيعه تحت إشراف الرئيس عبد ربه منصور هادي والمبعوث الأسبق للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بنعمر.

حدث ذلك عندما كان الرئيس لا يزال في صنعاء ويدير سلطة محفوفة بالمخاطر، من دار الرئاسة الذي دخله ممثله الحوثيون بالتزامن مع دخول مليشياتهم إلى مرافق الدولة في العاصمة في 21 أيلول/ سبتمبر 2014، وكان لا يزال يعتقد كذلك أنه يمرر صفقة بخسائر محدودة للغاية، وأبرز ضحاياها التجمع اليمني للإصلاح وما بات يعرف بتيار الإسلام السياسي.

لقد تموضع تيار إسلامي عقائدي جديد تتحكم طهران بأجندته السياسية والجيوسياسية، ولا يعترف بقواعد العمل الديمقراطي ولا يفكر بالشراكة السياسية، مستنداً إلى أحقية وهمية في الحكم.

تمكن الحوثيون من الحصول على حصة في إدارة الحديدة كطرف تحرر من أثقال التوصيفات التي جعلته متمرداً في مواطن كثيرة من جبهات المواجهة العسكرية مع الشرعية، ليستقر حاله طرفاً مكافئاً لهذه السلطة في محافظة الحديدة وموانئها الثلاث الأكبر الساحل الغربي للبلاد.

وفيما تتولى الأمم المتحدة مهمة تسهيل تنفيذ اتفاق الحديدة، وهي مهمة انتهت إلى الفشل، ودفعت بالمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث إلى الإقرار بأن اتفاق الحديدة أدى مهمته، وبأنه لم يعد من الممكن التعاطي مع الأزمة اليمنية على النحو الذي أفضى إلى اتفاق كاتفاق الحديدة.

أما اتفاق الرياض فهو منتج سعودي بنكهة إماراتية. ويبدو أن فشل هذا الاتفاق لم يدفع السعودية بعد إلى الإقرار بفشله، وهي التي لا تزال تقتات من هذا الاتفاق في تغذية سمعتها المنهارة جراء تورطها في حرب بلا أهداف ولا أفق على الساحة اليمنية.

الرهان على السلطة الشرعية لم يعد قائماً بالنسبة للقوى الأساسية المنضوية في معسكر الشرعية. والسؤال الجوهري اليوم ينصرف إلى طلب إجابة واضحة عن البدائل التي تتوفر لدى هذه القوى، وهي تشاهد بأم عينيها كيف يرتب التحالف أجندته القاتلة ليجهز على آخر ما تبقى من نفس ينبض في جسد الدولة اليمنية.

الأحزاب والشخصيات والقادة في معسكر الشرعية، مطلوب منهم أن يتبنوا مواقف شجاعة كتلك التي يتبنها وزيرا الداخلية والنقل، من أجل تحويل مأزق فشل الاتفاقات المفروضة على الشرعية إلى فرصة، لأن من شأن هذا الفرز التاريخي للمواقف أن يولد استعداداً قوياً لدى معسكر الشرعية لمجابهة الاحتمالات السيئة. فالشارع يريد أن يأمن بأن لديه قادة موثوقين يمكن السير وراءهم بغض النظر عن الكلف، إذا ما تأكدوا بأن اليمن سيخرج منتصراً في نهاية المعركة.