قضايا وآراء

النظام المصري.. عراب صفقة القرن يرفض الصفقة!

1300x600
لم يكن من المصدق ما أعلنه رأس النظام المصري يوم 3 تموز/ يونيو العام الماضي، وقبل مؤتمر البحرين الذي مهد لإعلان صفقة القرن منذ أيام، بأنه لن يوافق على أي شيء يرفضه الفلسطينيون، واصفا مؤتمر البحرين وما يتداول فيه من مشروع صفقة القرن بأنه ما هو إلا مصطلح يتحدث عنه الإعلام، ولا وجود له على أرض الواقع. ومع ذلك، شارك النظام في مؤتمر البحرين وكان فاعلا بقوة.

لم يسمع الإعلام بمصطلح "صفقة القرن" إلا من عبد الفتاح السيسي نفسه أثناء لقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، راعي الصفقة، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.

في القاهرة وفي ميدان التحرير الذي شهد أعظم ثورة شعبية عرفتها مصر، لم تنس الثورة خلال الثمانية عشرة يوما هي عمر الاحتجاجات؛ القضية الفلسطينية، فرفع العلم الفلسطيني في الميدان وأُحرق علم الكيان الصهيوني، ثم أُنزل من على ساري السفارة الصهيونية في خضم الأحداث..

في ميدان التحرير تقع الجامعة العربية التي شهدت اجتماعا طارئا لوزراء الخارجية العرب، لمناقشة إعلان أمريكا عن صفقة القرن التي أعلنها ترامب منذ أربعة أيام.. الأيام الأربعة ليست كافية لرؤساء وملوك العرب ليفرغوا أنفسهم من أجل قضية الأمة. وعلى الرغم من حضور الرئيس الفلسطيني الاجتماع، لم يحضر رئيس الدولة المضيفة لمقر الجامعة، وهو ما يكشف الوزن النسبي للقضية لدى رؤساء الدول العربية وملوكها ولعراب الصفقة نفسه.

في كلمته في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب أكد سامح شكري وزير الخارجية المصري على ضرورة العودة لمبادرة السلام العربية 2002، ومنها إنشاء دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، وأضاف شكري، أن التوصل للتسوية الشاملة للقضية الفلسطينية مرهون بوجود موقف فلسطيني واضح يطرح الرؤية الفلسطينية من أجل تحقيق التسوية العادلة للقضية، وهو ما يعني أن شكري رمى الكرة مرة أخرى في ملعب الفلسطينيين، كأحد الفخاخ التي يصنعها النظام المصري لتجميد القضية، في وقت يعلم القاصي والداني أن الفصائل مختلفة ولا تجلس منذ 2008 للتفاهم حول قضاياها المحورية، والتي بالأساس يعمقها الوسيط.

النظام المصري الذي يبدي في العلن رفضه صفقة القرن يقبلها في الغرف المغلقة، بل ويحاول إقناع السلطة والفصائل بها، وهو الموقف الذي كشفه أول رد فعل للخارجية المصرية بعد إعلان ترامب عن الصفقة. فقد حاول النظام أن يكون الأول الذي يبارك الصفقة، فظهر البيان متسرعا من خارجيته بدعوة الأطراف لقبول العرض ودراسته.

النظام المصري يقبل صفقة في شقيها السياسي والأمني، فمن ناحية ستقدم له الصفقة عرضا مقبولا بشكل مرضٍ، وهو تقطيع أواصر الدولة الفلسطينية الوليدة وجعل الجزء المحاذي لحدوده تابعا سياسيا إلى حد كبير له بشكل يوحي بالوصاية، لانفصامه عن شطره الفلسطيني الآخر، أيديولوجيا وإداريا، فيما لو بقيت حماس بعد نزع سلاحها، وهنا المكسب الثاني، حيث سيكسب النظام المصري من نزع سلاح فصائل المقاومة في غزة إسقاط أي احتمال (وهم) لظهير فلسطيني للثورة المصرية لو اندلعت مرة أخرى، وهو الهاجس الذي يطارد النظام رغم أنه لم يحدث في السابق ليحدث الآن تحت كل هذا الضغط الدولي، والبراجماتية التي يتحلى بها قادة حماس المسيطرين بشكل كبير على القرار في القطاع.

لم يستوعب قادة المقاومة في فلسطين حتى الآن، أو لعلهم استوعبوا أن النظام في مصر يضع الإسلام السياسي في أولويات العداوة، لكن النفعية تدفع قادة المقاومة لأخذ خطوة بعيدا عن الثوار في مصر. والحقيقة التي يعلمها الجميع أن غلق الأنفاق بين رفح المصرية والفلسطينية كان إحدى الخطوات التي بدأها الاحتلال من خلال النظام في مصر لخنق المقاومة، ولعل قاعدة برنيس المصرية على البحر الأحمر تمثل أحد التفاهمات في خطة النظام مع الصهاينة لتأمين الحدود الصهيونية على البحر الأحمر، والتي كانت بمثابة معبر لإمدادات السلاح من كل من ليبيا والسودان إلى غزة.

لا أشك كثيرا في العقلية الصهيونية وداعمها في البيت الأبيض، ولا المعلومات التي كانت تقدم بإخلاص في تقارير من كل من النظام في مصر والإمارات والسعودية والأردن وحفتر في ليبيا والبرهان في السودان، لكني أثق أكثر في إرادة الشعوب في التحرر. فالخطة التي أعلنها ترامب من أيام لم تضع في الحسبان إرادة تلك الشعوب، وبنت خطتها على انبطاح الحكام العرب وقدرة إعلامهم على تدجين تلك الشعوب من ناحية، وقدرة قبضتها الأمنية على قمع أي حراك ممكن من ناحية أخرى.

لكن الإجابة الوجودية على سؤال هل سيثور العرب من أجل مقدساتهم؛ تتمثل في قابلية المقاومة للتعاون مع شعوب الجوار في الأردن ومصر وسوريا، وإحياء الثورات الشعبية من جديد لمواجهة الأنظمة التي سهلت الصفقة وستسهر على تطبيقها وحمايتها.