كتاب عربي 21

إيران إذ ربحت الأسد وخسرت المنطقة!

1300x600
من بقي خارج دائرة الشماتة في مقتل قاسم سليماني، الذي جمعت السعادة بمقتله بين من لم يجتمعوا من قبل على شيء؟ فقد سعد بمقتله السيساوية ومن يرفضون حكم السيسي، فهل هذا ما كان يهدف إليه الآباء المؤسسون للجمهورية الإسلامية الإيرانية؟!

إيران تعيش في محيط معاد إذن، فقد ولى الزمن الذي كان هناك من يتخوفون من نشر المذهب الشيعي في المنطقة، استغلالاً لانتصارات يحققها حزب الله في لبنان على إسرائيل، وفي خطاب قوي ومتماسك في مواجهتها، وفي حرصه على أن يبتعد عن تقديم المذهب على عموم الدين، واستغلالاً كذلك للوجه المقاوم للدولة الإيرانية، التي تقدم الدعم للمقاومة في غزة، وتتحدى واشنطن رأساً.

كان العداء لطهران تتبناه الطغمة الحاكمة في كثير من العواصم العربية، وفشلت الدعاية في صرف الناس بعيداً عن تأييد إيران ورافدها في لبنان. ولا زلت أذكر كيف أن صور السيد حسن نصر الله رفعت في كل بيت، وكيف علقت على الجدران وفي الحافلات، وكان في هذا تحد لسلطة تعمل على شيطنة الحزب وتقلل من انتصاره، تماماً كما حاولت أن تسخر من القول بانتصار حركة حماس على إسرائيل في سنة 2009، وهي هزيمة أقرت بها لجنة تقصى الحقائق الإسرائيلية، وأنهت على مستقبل رئيس الوزراء أولمرت، إلا أن نظام مبارك وإعلامه لم يعترفا بها.

الموالي لإيران:

بيد أن هذا الانتصار لحزب الله، أجبر النظام الحاكم في القاهرة على إلغاء تسمية الحزب المعتمدة في الإعلام الرسمي منذ نشأته: "حزب الله الشيعي الموالي لإيران"، ليس فقط لأنه الاسم سيواجه باستهجان من الرأي العام، ولكن أخذا بقاعدة ما لا يُدرك كله لا يُترك كله، فإذا فشلت الدعاية ضد حزب الله، فعلى الأقل لا ينسب وهو في الوضع منتصراً لطهران، والذي صار اسم أمينه العام ينطق أحيانا في الإعلام العربي الرسمي مسبوقاً بلقب "السيد"!

لقد بدا "السيد" فوق الطائفية، وإن مثل بهذا البعد دعاية غير مباشرة لمذهبه، واستمعت لسياسيين يقولون إنهم على مذهب "السيد حسن نصر الله" سياسياً، وهو ما يمثل دعاية للتشيع المذهبي، وهذا أزعج أجهزة الأمن إلى حد البدء في خطوة غير متوقعة بمحاربة التصوف، وهي خطة لم تكتمل بقيام الثورة. ووقع بعض الضباط بالقسم الديني في مباحث أمن الدولة تحت تأثير مقولة منسوبة لأصدقائهم من السلفيين: "من تصوف فقد تشيع، ومن تشيع صارت إيران قبلته".

ومهما يكن، فقد كان العداء من السلطة ولم يصل للجماهير، بل إنه عندما وصلها، كان هذا سبباً في التقارب الوجداني مع إيران، وقبل انتصار حزب الله!

وإذا كان الشيخ صلاح أبو إسماعيل قد ذهب بعيداً وكفّر الإمام الخميني في حياته، لرفضه استقبال وفد العلماء، الذي كان الشيخ على رأسه إبان الحرب العراقية الإيرانية. فقد لاقى موقفه معارضة واسعة، ومن بين علماء مصريين، فشلت كل الدعاية الوهابية ضد الشيعة، في أن يتخذوا موقفاً معادياً لإيران.

في الحرب العراقية الإيرانية، كان النظام المصري مع العراق، وكان الوجدان الشعبي مع إيران التي قامت بثورة على الاستبداد، وأسقطت الشاه، وانتقمت من جهاز السافاك الذي سام الشعب الإيراني سوء العذاب، وقد استقبل التيار الديني في عمومه الثورة الإيرانية بالتأييد، ولم يشغله التشيع من عدمه، وتقدمت إيران منهم باعاً، فأطلقت اسم خالد الإسلامبولي على أحد شوارعها.

وإذ تسببت حالة الاستقطاب السياسي في اعتبار مقتل السادات جريمة، فلم تكن كذلك لدى قوى اليسار في البداية، وقد رثوا خالدا أكثر مما رثوا أبا خالد (جمال عبد الناصر)، ولا نذكر لأحمد فؤاد نجم رثاء لعبد الناصر ولكنه رثى خالد الاسلامبولي بقصيدة ألقاها بحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، وسط تصفيق الجمع الكريم.

كان الحظر لزيارة طهران يقوم به النظام، والذي كان موقفه، لا سيما في عهد مبارك، ضمن حسابات إقليمية ودولية خاصة به، وكان معروفا عنه أنه نظام تابع في سياسته الخارجية، وعندما عرض على مبارك الصلح مع بشار الأسد، قال للوسيط تحدثوا مع السعوديين!

حدثني مصطفى كامل مراد رئيس حزب الأحرار، أنه عرض على مبارك السماح للمعارضة بتشكيل وفد لزيارة طهران، فليس معقولاً أن تتم القطيعة مع دولة كبيرة بهذا الشكل، ومن جانب أكبر دولة في المنطقة، ورد عليه مبارك: "الأمريكان يزعلوا"!

إيران والربيع العربي:

وتكمن المشكلة في أن الإيرانيين أرادوا أن يجدوا لهم موضع قدم في بلدان الربيع العربي، فلما لم يجدوا كانوا جزءا من حسابات الثورة المضادة في مصر، والتي تحالفت معهم لـ"مسافة السكة"، ومن باب "المكايدة"، فكيف خانهم ذكاؤهم حد الاعتقاد بأن انقلابا عسكريا ترعاه السعودية والإمارات يمكن أن يحقق لهم وجوداً في مصر؟!

كما دخلوا على خط الثورة التونسية، فدخلت السعودية "في أعقابهم".. يقولون إنهم مولوا مرشحاً بعينه في الانتخابات الرئاسية في مصر بعد الثورة، لكن لا توجد في أيدينا أدلة غير روايات متواترة!

بعد الثورة كنت من الداعين لعلاقات مختلفة مع طهران، وعندما تولى الرئيس محمد مرسي الحكم، كنت من أشد المتحمسين لعلاقة قوية معها، ننهي بها النفوذ السعودي على القاهرة الذي بدأ في عهد مبارك، ولا يجوز أن يستمر بعد الثورة. لكن الرئاسة كانت تعتقد أنها يمكن أن تحتوي السعودية، ثم إنها كانت واقعة تحت تأثير ضغط السلفيين الذين وصل بهم الحال إلى حد الاعتقاد بأنه بمرور سائح إيراني بجانب مصري سني فإنه سينجح في إقناعه بالتشيع، ووقفوا ضد فكرة استقبال السياح الإيرانيين، ولم يكن الرئيس راغبا من داخله، وبحكم ثقافته الدينية المحافظة، في الابتعاد عن السعودية، وليس كل من تهواه يهواك قلبه، ولا كل من صفيت له قد صفا، فلدغ المؤمن من مأمنه!

ولهذا ذهبت إيران بعيداً، فلما رأت الانقلاب العسكري، قالت هذا ربي هذا أكبر، وسمح لوفود الصحفيين والسياسيين المصريين بزيارة طهران في البداية، كما استقبل الانقلاب وفداً من الحوثيين، في رسالة للسعوديين والأمريكيين من السيسي بأنه قد يذهب بعيداً ولديه بدائله، معتقداً أنه يستطيع أن يناور، فلما رأى برهان ربه عدل عن هذه السياسة. ثم إن أجهزة الأمن التي عادت بقوة بعد الانقلاب، لديها حساباتها القديمة، فكان أن قامت ذات رحلة بإيقاف الوفد العائد في مطار القاهرة، ومن بينهم أحمد راسم النفيس والشيخ ميزو، وتمت معاملته بجفاء واضح.

في سوريا:

لتنتهي هذه الجولة، وتبدأ جولة جديدة، فقد اقتربت الكاميرا بشكل كبير من الدور الإيراني في سوريا، في الانحياز لسفاح وقاتل هو بشار الأسد ضد الثورة السورية!

لقد تجاوز الرأي العام العربي الدور الذي قامت به إيران ضد صدام حسين، ونسينا اختيار حلفائها ليوم عيد الأضحى للمسلمين السنة لإعدامه، باختيار لا تخطئ العين دلالته! وإن توقف التعاطف بسبب هذا الدور مع حزب الله، الذي لم يستطع أن يخفي مذهبه بالاحتلال الأمريكي للعراق!

بيد أن أداء الدولة الإيرانية ورافدها في لبنان؛ في سوريا، أعلى من شأن الانحياز المذهبي لديهم، ويخفون في أنفسهم ما الله مبديه، فلم تترك طهران حزب الله بعيداً، لكنها أدخلته المعركة بشكل سافر وواضح. وقد يكون هذا الموقف طبيعياً، فلا يمكن أن يتخلوا عن حليفهم في بلاد الشام، لكن مقابل ذلك فقد أسقطوا بأيديهم مشروعهم، والى درجة أنهم عندما يدخلون معركة مع واشنطن، فإن الرأي العام العربي يشمت فيهم، ولا يؤوب معهم، فقد كسبوا الأسد وخسروا المنطقة، فما ربح البيع! واللافت أن هذا حدث بعد سقوط نفوذ المشروع المنافس لهم بقدوم ابن سلمان، وهو الإسلام السعودي.

إن إيران حاصرت نفسها، وباتت تتحرك في محيط معاد، فقد ربحت الأسد وخسرت المنطقة.

حلال عليهم.