كتاب عربي 21

وثيقة التوافق ومجموعة العمل الوطني.. يا ليبراليي مصر اتحدوا

1300x600

ما اسم الموقف الذي لا يرى فرقا بين وثيقة وطنية مدنية 100% تدعو – بلا مواربة – للقيم التي ناضلنا من أجلها لعقود طويلة، وبين وثائق كانت جل طموحاتنا أن نُدخل عليها مسحه مدنية، على طريقة مساحيق التجميل؟!


هل يمكن أن نسمي هذا الموقف، حياء، أو تعقل، أو حكمة، أو تحسب، أو تحوط، أو نأي بالنفس، أم أن له أسم آخر، يعز علي أن أصف بعض رفاق الدرب به.

أتفهم جيدا الظرف الأمني، الذي يمنع بعض رفقاء "الداخل"، من إعلان موقف، تجاه دعوة لحراك في الشارع.

لكني لا أتفهم هذا بشأن إعلان موقف من قيم مجردة لا يختلف عليها اثنان – خاصة – ممن يقفون تحت لافتة الليبرالية والحرية والدولة المدنية، التي يمكن اعتبار وثيقة 28 كانون الأول/ ديسمبر 2019 عنوانا ناصع البياض والوضوح لهذه القيم.

عندما أعلنّا منذ سنوات، وثيقة "إعلان القاهرة"، وما سُمي إعلاميا بـ "وثيقة العشرة"، ووثيقة الجبهة الوطنية المصرية.

علق البعض موقفه المرتبك على شماعة، عودة الشرعية، والبعض الآخر على قضية الهوية، والبعض الأخير على هواجس غياب ضمانات تكفل التشاركية، في المرحلة الانتقالية.

وأما وقد بات واضحا، تساقط هذه الشماعات، التي تساند عليها هذا الفريق، أو ذاك، وبات أكثر وضوحا، أن بقاء نظام بحجم إجرام وإرهاب نظام السيسي، هو الخطر الوجودي الأكبر على الأمة المصرية، وعلى كل القيم التي ناضلنا من أجلها.

فما السر إذن، في هذا الصمت الخجول، تجاه وثيقة 28 كانون الأول/ ديسمبر، وتذرع البعض بالاكتفاء بالقبول "السكوتي".

فالسكوت "علامة الرضا"، يمكن قبوله من الفتاة في حضور وليّها في عقد الزواج، وليس مقبولا من قامات قيمتها في كلمتها وموقفها.

سألت أحد هذه القامات عن موقفه من مضمون ما ورد في هذه الوثيقة، فأجابني بموقفه المتعالى ممن أعلن عنها (محمد على).

وسألت آخر عن موقفه من ذات الوثيقة، فتقمص شخصية الفنانة ليلى مراد، في فيلم "عنبر"، وقال لي: (كلام جميل، وكلام معقول، لكني ماقدرش أقول حاجة عنه)?

يا ليبراليي مصر.. إن الصمت – أحيانا – ليس من ذهب، أو فضة، لكنه في كثير من الأحيان خيانة للقيم، ولشرف الموقف والكلمة.

يا ليبراليي مصر الفارق بين الليبرالية الحقيقية، والليبرالية المغشوشة، هو القدرة على التجرد من الهوى، والخوف والحسابات المصلحية المعقدة والضيقة.

يا ليبراليي مصر .. اتحدوا على كلمة سواء، ولا تضيعوا الفرصة في إعادة ترميم الشروخ والتصدعات التي أصابت الجميع بفعل سياسة فرق تسُد التي أدمنتها قوى الاستبداد.

لا تضيعوا الفرصة في تصويب بعض المواقف الخاطئة، فالخطأ يتحول إلى خطيئة عندما نفقد القدرة على تصويبه والتراجع عنه.

يا أهل القبول بالآخر .. لا تجعلوا كراهية بعضكم لتيار، أكبر من حبكم لوطن يشتاق للحظة خلاص باتت قريبة.

أعرف أن عددا ليس بالقليل من الليبراليين والإسلاميين والوسطيين والمستقلين كانوا شركاء في صناعة هذه الوثيقة الوطنية، وهذا كاف لوثيقة جامعة.

وأعرف أن كل الأطياف أنتهت فعليا من مرحلة الخلاف على الصياغات، وتجاوزت في سبيل ذلك العديد من العقبات، وبات واضحا أن قدراً غير مسبوق من التوافق الأقرب للإجماع منذ انقلاب 2013 قد تحقق بعد هذه الوثيقة، وأصبح واجبا الانتقال لمرحلة العمل من أجل التغيير.

ما أدعو إليه اليوم هو الإنطلاق من مرحلة صناعة الوثيقة والالتفاف حولها، إلى مرحلة صناعة المستقبل، لتحقيق ما ورد في هذه الوثيقة، وتوافقت عليه الأغلبية.

مستبشرين ببشائر يناير 2020 التي لاحت بعض ملامحها في الساعات الأخيرة في إطار وثيقة 28 كانون الأول/ ديسمبر، أو الإعلان عن توحد للقطاع الأوسع من المعارضة في إطار مفتوح يتسع للجميع.

ومن هنا، أُثمن ما أُعلن عن تأسيس "مجموعة العمل الوطني"، والتي أشرف بالانتماء إليها، والتحدث بأسمها، مستبشرا بهذا الاستحقاق الذي تأخر كثيرا.

وأراها بداية لعمل تنسيقي واسع، يشمل الجميع، من مختلف ألوان الطيف السياسي المصري، ومن مختلف التوجهات داخل التيارات الرئيسية والمستقلين.

إن إلتقاء هذه المجموعة من القيادات السياسية والفكرية، من الداخل والخارج، رغم كل التحديات الأمنية، هو خطوة هامة في محور إحداث التغيير، بعد أن توافقت إرادة الجماعة الوطنية على صورة مصر ما بعد التغيير، وفقا لوثيقة 28 كانون الأول/ ديسمبر.

إننى أدعو أخواني وزملائي ورفاقي وأساتذتي وتلاميذي ممن أتفق معهم دوما، أو ممن لم أتفق معهم يوما، سواء كانوا من التيار الليبرالي، أو غيره، أن نتحد الآن، اليوم وليس غدا، لإنقاذ ما تبقى لمصر من فرص الحياة والكرامة والحرية والتقدم.

وعام جديد، وعِقد جديد، سيكون أفضل بفضل الله، وبفضل وحدتنا.