قضايا وآراء

تقاطعات أمريكية روسية حيال تركيا

1300x600

منذ أن وضعت عملية نبع السلام العسكرية أوزارها في 23 تشرين أول (أكتوبر) الماضي، تواصل القيادة التركية السياسية والعسكرية تهديدها بإعادة إطلاق العملية العسكرية من جديد ضد الوحدات الكردية التي لم تنسحب من كامل المناطق الجغرافية الحدودية.

 

تبعات التفاهمات التركية ـ الروسية 

المعطيات العسكرية والاستراتيجية القائمة في الشمال السوري، وطبيعة التداخلات بين القوى الإقليمية والدولية، لا تسمح بتوسيع تركيا لعملياتها العسكرية، وإلا لما قامت بعقد تفاهمات جانبية مع روسيا حيال الطريق الدولي الرابط بين حلب غربا والحسكة شرقا (M4).

فبموجب التفاهمات الروسية التركية، انتشرت قوات النظام السوري في محيط محطة كهرباء مبروكة، وعند مفرق ليلان غرب تل تمر، حيث دخلت قرية السوسة الغربية وصوامع حبوب العالية بريف الحسكة الشمالي الغربي. 

 

من الواضح أن ثمة تغيرات بسيطة تجري على الأرض تتقاسمها روسيا والولايات المتحدة، من دون تركيا:


وبموجب هذه التفاهمات أيضا، سحبت "قوات سوريا الديمقراطية" قواتها من المواقع التي تسيطر عليها في أطراف مدينة عين عيسى شمال الرقة، وتمركزت في مركز البلدة والأحياء الغربية، لتدخل الشرطة الروسية تلك المواقع.

كما انسحبت فصائل الجيش الوطني السوري مسافة خمسة كيلومترات شمالي الطريق الدولي (M4) في المنطقة الواقعة قرب عين عيسى.

وهكذا، نجح التنسيق الروسي ـ التركي في إنجاز اتفاق لتحييد مقطع من طريق حلب ـ الحسكة الدولية (M4) عن العمليات العسكرية.

وبدخول الاتفاق حيز التنفيذ، فإن مقطع الطريق الدولي الرابط بين عين عيسى وتل تمر، بطول يتجاوز 130 كلم، بات خارج الحسابات العسكرية التركية. 

وفي الغرب، ما تزال الوحدات الكردية تتواجد في مدينة منبج على الرغم من اتفاق خريطة الطريق الموقع بين أنقرة وواشنطن في 4 حزيران (يونيو) 2018. 

ولا يبدو أن الولايات المتحدة ستسلم المدينة إلى تركيا وفصائل المعارضة المدعومة من قبلها، لكنها بالمقابل، تعمل على تطمين القيادة التركية من عدم وجود خطر يهددها.

تدرك أنقرة هذه الحقيقة، وما تهديداتها إلا من أجل تسليم المدينة إلى النظام السوري أو القوات العسكرية الروسية.

تقاطعات أمريكية ـ روسية

من الواضح أن ثمة تغيرات بسيطة تجري على الأرض تتقاسمها روسيا والولايات المتحدة، من دون تركيا:

ـ الشرطة الروسية تدخل مواقع انسحبت منها "قوات سورية الديمقراطية" في ريف الرقة.

ـ ثبتت الولايات المتحدة قوات عسكرية في أماكن مختلفة من محافظة الحسكة.

 

تركيا تحاول إعادة جزء من اللاجئين السوريين إلى المنطقة الآمنة، وروسيا تعمل بسرعة على حصار الوجود الأمريكي وجعله غير ذي جدوى في شمال الحسكة، أما النظام فيعمل من أسفل


من وجهة النظر الأمريكية، حققت تركيا أهدافها من العملية العسكرية "نبع السلام"، وأي تنازلات أخرى لها ستؤثر على الوجود الجغرافي ـ العسكري لـ "قوات سوريا الديمقراطية".

أما بالنسبة لروسيا، فإنها تلعب لعبة أخرى، تتمثل في جلب الكرد نحو النظام دون القطع مع الأمريكيين، وتتمثل أيضا بفتح جسر سياسي بين أنقرة ودمشق.

تعمل الخارجية والدفاع الروسية على إقناع القادة الكرد بضرورة الدخول في حوار مباشر مع النظام السوري، كون أي حل سياسي لن يمر إلا بموافقة دمشق، وفي هذا الإطار يمكن وضع زيارات مسؤولين روس وزيارة علي مملوك إلى الحسكة.

لا يقتصر التكتيك الروسي على دفع الكرد نحو النظام فحسب، بل هي تلعب الورقة الكردية أيضا في وجه تركيا: من شأن أي تفاهم يجمع النظام السوري مع الكرد أن ينعكس سلبا على تركيا ويحد من طموحاتها الجغرافية.

بالمقابل، تحاول موسكو إقناع أنقرة دون جدوى بالانفتاح على دمشق ليس فقط من أجل الترتيبات العسكرية، فهذا الأمر حسم من قبل العملية العسكرية التركية، وإنما من أجل مستقبل المنطقة الآمنة التي أقامتها تركيا بين تل أبيض ورأس العين.

تسعى موسكو إلى استغلال اتفاقية أضنة الموقعة بين تركيا والنظام السوري عام 1998 من أجل إعطاء الشرعية للمنطقة الآمنة، ومحاولة تقريب أنقرة من دمشق عبر سياسة الخطوة خطوة، مع اللجوء إلى سياسة الترهيب تارة (إدلب) والترغيب تارة أخرى (شرق الفرات).

ومن الواضح وفق المعطيات الميدانية القائمة، أن مرحلة ستاتيكو عسكري ستسيطر على المشهد في عموم شرق الفرات إلى حين حدوث تغيرات مفاجئة من الجانب الأمريكي تعيد خلط الأوراق من جديد.

وحتى ذلك الحين، سيعمل كل طرف على تعزيز وشرعنة وجوده: تركيا تحاول إعادة جزء من اللاجئين السوريين إلى المنطقة الآمنة، وروسيا تعمل بسرعة على حصار الوجود الأمريكي وجعله غير ذي جدوى في شمال الحسكة، أما النظام فيعمل من أسفل عبر توطيد علاقاته مع العشائر من جهة والضغط على الإدارة الذاتية الكردية من جهة ثانية.

*كاتب وإعلامي سوري