قضايا وآراء

الوحدة الفصائلية في مرمى النيران الصهيونية

1300x600
"بينما أنا ذاهبٌ لزيارة الثلاثة الناجين من عملية ميونيخ لأسمع حكاية مغامرتهم، لاحظتُ وجود هرج قتال في الشارع حول المبنى الذي تحتله الجبهة الديمقراطية "نايف حواتمة"، فسألتهم عن سر الهرج؟ فقالوا: إن مغاويرهم مستنفرون بسبب الهجوم الوشيك الذي ستشنه الجبهة الشعبية (جورج حبش) على مكاتبهم، فاستشطتُ غضبا، وعبرتُ لهم عن رأيي في هذا الخلاف الأخرق بين منظمتين من منظمات المقاومة، ممن تقضي طبيعة الأمور عليهما بأن يكرسا جهودهما لمحاربة العدو".

الفقرة السابقة يرويها "صلاح خلف" في كتابه "فلسطيني بلا هوية"؛ تصف حالة غير سوية سادت بين فصائل فلسطينية في حقبة زمنية معينة.

مؤخرا نشر الصحفي الصهيوني "عكيفا إلدار" خبرا مفاده أن "الاستخبارات الإسرائيلية وضعت خططا لصناعة الفوضى بين المنظمات الفلسطينية بداية سبعينيات القرن الماضي، واليوم نتنياهو يستدعي هذه الخطط لزرع الخلافات بين المنظمات في الضفة الغربية وقطاع غزة والخارج، وأن الوزير "نفتالي بينت" يشرف مباشرة على هذه الخطط، وأنهم في "المطبخ الأمني الإسرائيلي" متفقون على تنويع أدوات تحريك الفوضى وتعزيز الخلافات بين الفلسطينيين عبر التشغيل المكثف للدعاية والضغط العسكري المتوازن، واستثمار عناصر التوتر داخل المنظمات لزيادة الفجوة كإظهارهم يتصارعون على قضايا تنافسية بشكل دائم.

إن ما كشفه "عكيفا إلدار" يستخدم نظرية غاية في القذارة "فرق تسد"، باعتبارها وسيلة ناعمة وليست مكلفة، وتعود عليه بالنفع الكثير، فنراه يعزف على وتر الاختلافات، ويغذيها ويطيلها وينقلها لمستويات عملية، ويرسخها في ذهنية المختلفين ليصبح مع مرور الوقت وكأنه أمرٌ بديهي.

وللأسف، فإن "فرق تسد" الصهيونية نجحت في أوقات كثيرة، فلو رجعنا للتاريخ الفلسطيني المعاصر سنجد أن اختلافات كثيرة بين فصائل فلسطينية فلسطينية، وفلسطينية عربية؛ قد نشبت وتغذت بفعل تدخلات صهيونية بطريقة مباشرة أو غير مبشرة، فكان جهاز الموساد يغتال شخصية تابعة لتنظيم على علاقة سيئة مع تنظيم آخر، فيبدأ الطرفان حملة اغتيالات وتصفيات بينية، كما أنه يمكن اعتبار اتفاق أوسلو وما تلاه من اتفاقيات بداية زرع الفتنة بين الفصائل الفلسطينية.

و"فرق تسد" هو مصطلح سياسي عسكري اقتصادي، ويعني تفريق قوة الخصم الكبيرة إلى أقسام متفرقة لتصبح أقل قوة، وهي غير متحدة مع بعضها البعض مما يسهل التعامل معها. وهذا يحيلنا لطبيعة تسمية العلاقة بين العرب والكيان الصهيوني، حيث كان يسمى "الصراع العربي الإسرائيلي" ثم تحول إلى "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي" ثم إلى "إسرائيلي غزاوي"، والآن تسعى دولة الاحتلال لتحويله إلى صراع مع فصائل معينة بغية خلق فتنة بينها.

إن الذي دفعني للحديث حول هذه المسألة، هو أن الاحتلال استغل (وتساوق معه البعض منا)؛ مسألة اختلاف وجهات النظر بين فصيلين كبيرين على الساحة الفلسطينية، ومواقفهما تنسجم تماما مع رؤيتهما لطبيعة العلاقة مع الاحتلال.

ومن الأدوات التي يستخدمها الاحتلال لبث الفرقة بين الفصائل:

1- مدح فصيل على عدم دخوله حلبة المواجهة بجوار فصيل آخر، ووعده بتقديم تسهيلات.

2- عدم التعرض لقادة وعناصر ومواقع فصيل دون آخر.

3- إنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء وهمية أو حسابات تحمل أسماء لها دلالات تنظيمية، يتهم كل طرف فيها الآخر باتهامات تقلل من شأنه على الساحة الفلسطينية.

4- نشر الأخبار الكاذبة وتعميمها على مواقع التواصل والتعامل معها على أنها أخبار موثوق منها.

5- تضخيم أثر وجود حماس والجهاد الإسلامي في الضفة على السلطة. 

6- إظهار أن وجود المقاومة هو السبب الرئيسي في معاناة الشعب الفلسطيني.

7- نشر رسومات كاريكاتورية بطريقة غير لائقة لكلا الطرفين.

أختم بالقول: إنه وبرغم ما يبذله الاحتلال من مجهودات لزرع الفتنة، إلا أن العقلاء في الفصائل يدركون تلك الأساليب الخبيثة، ويتصدون لها.