مقالات مختارة

الشعب يريد…

1300x600

الجزائريون أيضا خرجوا أخيرا يصرخون “الشعب يريد”.. وحددوا لذلك في البداية أهدافا وغايات نبيلة.


صرخوا الشعب يريد إسقاط خامسة بوتفليقة (ما كانش الخامسة يا بوتفليقة)، التي كانت إهانة لكرامة الجزائريين، بأن يظل رجل مقعد يتحكم في مصيرهم، بينما سلطة الرئيس تختطفها “قوى غير دستورية” غامضة.


في هذه الصرخة.. كان الشعب هو الشعب.. بفئاته وأطيافه، بحبه العارم لوطنه، من دون حسابات سياسية ولا مصلحية.


بعدها بدأ الشعب يتفكك.. والشعب الواحد صار شعوبا، ومطالب الشعب تصبح مطالب، حتى تغير المعنى والمبنى ودخلنا في صراع الإرادات المختفية كلها خلف ستار الشعب، والشعب منها براء.
فخرج من يصرخ باسم الشعب بتغيير النظام، لكن في منتصف الطريق، خرجت جماعة من بين الصارخين، ورفعت شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، فتفرق الجمع بين مطلب التغيير الشرعي، ومطلب الإسقاط “المسيس” غير الواقعي.


الشعب الذي طالب بالتغيير، آمن بالحل الدستوري، فكان شعبا باديسيا نوفمبريا ملتحما بأرضه وجيشه، بالاعتماد على الصندوق الانتخابي، بينما ارتأى الشعب الذي طالب بالحل السياسي، الذهاب إلى مرحلة انتقالية، أو مجلس تأسيسي، تعاد فيه صياغة الدولة من جديد، اعتمادا على التعيين.
وصرخوا: الشعب يريد محاكمة العصابة، ولما تم الزج برؤوسها في السجون، خرج من بين الشعب من طالب بإطلاق سراح بعض رؤوس العصابة، فغضب شعب على شعب، وظهر أن في بعض الشعب عصابة، وأن وراء العصابة جزء من الشعب.

وصرخوا: الشعب يريد: “دولة مدنية ماشي عسكرية”، قبل أن يتبين أن أصحاب الشعار، هم شعب كان بالأمس مع الدولة العسكرية ضد الدولة الدينية، فانتكس الجمع، وصار الشعب شعبين أو ثلاثة أو أكثر..
فمن هو الشعب الذي يتحدث عنه الجميع ولا يمثله أحد؟
من هو الشعب الذي يطالب البعض تسليمه السلطة وفق المادتين 7 و8 من الدستور؟
هل هو الشعب المتبقي في البريد المركزي وساحة أودان؟ أم هو الشعب المنسحب من الحراك منذ مدة طويلة؟ أم هو شعب…
ولعل من نوائب الدهر أن الكل صار بعد هذا الهراء الشعبوي، يتكلم باسم الشعب، معارضة الخارج التي لا تساوي في المدلول القيمي “زوج درور إنتاع بكري”، ومعارضة الداخل التي ليست أفضل حالا منها، بل إن أذناب العصابة _ويا للغرابة_ صاروا يتكلمون أيضا باسم الشعب، ويتقدمون صفوف المدافعين عن حرية التظاهر وشفافية الانتخابات.
والحقيقة أن إرادة الشعب لا يمكن أن يحتكرها شخص أو جهة، وإلا أليس من يناصرون اليوم المترشح تبون هم من الشعب، والذين يعادونه هم أيضا من الشعب، ولكنهم ليسوا هم الشعب؟
أليس من يجمع الاستمارات لابن فليس أو ميهوبي أو مسدور هم من الشعب، والذين يسخرون منهم ومما يفعلون هم أيضا من الشعب، ولكنهم ليسوا هم الشعب؟
قبل هذا وذاك، أليست الملايين التي كانت تنتخب لصالح بوتفليقة لٍأربعة عهود كاملة هي من الشعب، بغض النظر عن حجم التزوير الذي لحق العملية، قبل أن تنقلب إرادة شعب اليوم، على ارادة شعب الأمس، وتحدث هذه الثورة؟
أين اختفت تلك الملايين التي انتخبت المستقيل؟ (النتائج الرسمية لانتخابات 2004 و2009 و2014 تتحدث عن عدد ما بين 8 ملايين صوت إلى 13 مليون صوت)، وهم أغلبية الهيئة الناخبة اليوم؟

 

(الشروق الجزائرية)