قضايا وآراء

ماذا يعني أن تكون في بلدك ثورة؟

1300x600
"شكرا للشعب السوداني.. شكرا للثورة".. أول ما نطق به وليد عبد الرحمن بعد أن وطأت قدماه أرض وطنه في مطار الخرطوم، بعد أن أطلقت السلطات المصرية سراحه على ذمة قضية "التظاهر" ضد نظام السيسي في التحرير يوم الجمعة 20 أيلول/ سبتمبر. لقد كان مشهد الاستقبال الشعبي لوليد يذكر بتلك المشاهد السينمائية الأسطورية لاستقبال الأباطرة والملوك والأبطال الفاتحين، فأعداد المستقبلين واهتمام وسائل الإعلام والحفاوة البالغة من الأغراب قبل الأهل والأصدقاء؛ تشعرك بأن الشاب الصغير حرر بلدا وعاد منتصرا.. شعور التحرير والتحرر بالفعل هو دافع الحشود الذين تسابقوا لاستقبال الشاب، فتحرير وليد لم يكن ليأتي من خلال الجهود الحكومية السودانية إلا تحت ضغط الشارع الثائر الذي خرج من أول يوم لاستعادة ابنه، والتأكيد على كرامته المستعادة بالثورة.

لقد شوه الإعلام الحكومي المصري والفضائيات الموالية له صورة الشاب، واتهمته زورا باتهامات تغيبه في دهاليز المعتقلات المصرية التي لا يعرف لها قرار ولا مستقر؛ في دولة حكمها من امتهنوا القهر والتعذيب وإهانة الكرامة الإنسانية وصولا للاستهانة بروحه، فالقتل عند هؤلاء أسهل عندهم من شرب كوب ماء. وقضية الصحفي الإيطالي ريجيني دوما حاضره في الأذهان، فقد قُتل بدم بارد، وكذبت السلطات، وزين الإعلام الموالي لها سوء عملها. فالخطوات التي ابتدأها الإعلام كانت نذير شؤم على الشاب، وانتزاع الاعترافات المضحكة أمام الكاميرات ترسخ أن الشاب ينتظره مصير مجهول قد يصل إلى مصير ريجيني أو أسوأ.

عاش السودانيون أحوال مصر لحظة بلحظة، وكيف لا والدم والمصاهرة تجمعهم، والحب لم يفتر يوما، رغم إجرام الحكومات وشيطنة الإعلام، فالأخوة بقيت وتنامت بعد ثورة يناير، وزادت مع بزوغ الأمل في ثورة السودان ومسيرها الناجح في التغيير.. عايش السودانيون آلام المصريين وأوجاعهم، وخبروا تسلط العسكر وبطشهم وظلمهم للشعب الشقيق، فكان الحراك المدني الثوري من شباب السودان لتخليص وليد عبد الرحمن، ذي الثلاثة والعشرين عاما، من مخالب وحوش العسكر وزبانية الأمن المصري، فوليد وأمثاله مستقبل وطن أحيته ثورة وعليها أن ترعاه.

لقد كان لشباب الثورة في مصر موقفا مشابها، لما فعل شباب ثورة السودان، ففي عام 2012 لفقت السعودية تهمة للمحامي والناشط الحقوقي أحمد الجيزاوي، بعد وصوله للملكة لأداء العمرة، لكن المجلس العسكري الذي كان يحكم البلاد حينها لم يحرك ساكنا. وتغير المشهد بعد أن تولى الرئيس الشهيد محمد مرسي الحكم، فبعد أن تم توقيف الصحفية المصرية شيماء عادل أثناء تغطيتها تظاهرات في السودان، أصر الرئيس أن تعود معه من القمة الأفريقية بأديس أبابا إلى القاهرة على طائرته، ورضخ البشير وأرسلها على متن طائرة خاصة من الخرطوم إلى أديس أبابا، لتعود مع الرئيس الثوري إلى وطنها محفوظة الكرامة.

أن يكون في بلدك ثورة يعني أن يكون في بلدك شعب حي، شعب لا يقبل الدنية، شعب طاهر من أدرانه بعد أن توضأ بالثورة واغتسل من نجاسات العبودية المفروضة بفعل السلاح، شعب محب لوطنه ومالك له، لا مُستأجِر ولا مُستأجَر، شعب ملتصق بتراب الوطن متمسك بهويته، شعب حر يقدس الحرية ويموت من أجلها، شعب يعرف معنى الإنسانية ومعنى الكرامة ومعنى العدالة والجمال، والجمال كل الجمال أن يثور مرة تلو المرة من أجل هذه القيم؛ لأن مقياس صحة وشباب الشعوب في أن تناضل دوما من أجل ترسيخ القيم.. ثوروا تصحوا.