قضايا وآراء

تجديد فكر الإخوان المسلمين: الإخوان والتنافسية (4)

1300x600
لا يمكن عقلا ولا منطقا أن تنافس إنسانا ما على منصب ما أيا كان، وتفوز بهذا المنصب، ثم تدعي أن هذا الإنسان الذي نافسته وفزت عليه ما زال يحبك ويُكن لك الاحترام والتقدير كما كنت قبل المنافسة. هذا خيال علمي لا علاقة له بالواقع ولا بطبائع النفوس البشرية.

نعم هو حلال شرعا أن تكون منافسا في أي انتخابات، لكن عليك أن تعلم أن تلك المنافسة ستوجد عداوة بينك وبين منافسك ومن يناصره، ومن ثم يجب أن تعرف جيدا من أنت وماذا تريد وكيف يحب أن ينظر الناس إليك، إذا أردت أن ينظر الناس إليك على أنك معلم الخير ومرشدهم إلى الصواب. هل رأيت معلما ينافس تلامذته على منصب التلميذ المثالي؟!

نعم نجح الإخوان ومؤيدوهم وقوائمهم في كل انتخابات برلمانية ونقابية ومحلية خاضوها، لكن هل تعلم كم خلفت تلك الانتخابات من عداوات مدفونة مع قطاعات كثيرة في الشعب، أغلبهم ليسوا من الفاسدين أو أصحاب المصالح الشخصية؟

إن عدد الأطباء في مصر 266,847 طبيبا، فهل من المعقول ألا يوجد بينهم ألف طبيب من خارج الإخوان يستطيعون حمل أمانة مجالس النقابات؟ وعدد من لهم حق التصويت في مصر يربو على 61 مليوناً، ألا يوحد فيهم 444 عضوا للبرلمان أو فردا واحداً لرئاسة الدولة من غير المنتمين تنظيمياً للجماعات الإسلامية برمتها؟

هذا لا يعني أن الجماعة لا تمارس السياسة ولا العمل المهني، لكن هناك فرق شاسع بين الممارسة والمنافسة.

وربما كان عدم المنافسة هذا هو ما أراده البنا حين رفض الأحزاب، ولم أسمع شخصيا أن الجماعة اعتادت ترشيح قوائم لها على صعيد مصر في كل الانتخابات أيام البنا.

خلاصة رأيي أن جماعة الإخوان لا يجب أن تنافس على أي منصب، ومن أراد من أعضائها أن يخوض أي انتخابات فعليه أن يعلم أنه يخوضها بنفسه وليس نيابة عن جماعة الإخوان المسلمين، وألا يتوقع أن تدعمه الجماعة لكونه واحداً من أعضائها.

كما أن الجماعة يجب عليها ألا تدعم (كجماعة) مرشحين بعينهم في أي انتخابات؛ لأنه من المفروض أن الجماعة قامت بتربية أعضائها، وأول ما تربوا عليه هو الفهم. ومن ثم وجب على هذا العضو العاقل الفاهم أن يجهد نفسه لمعرفة من يختار في كل انتخابات؛ لأن صوته أمانة، وهو مسؤول عنه كفرد أمام الله، وليس الجماعة.

ليس مطلوبا إذا أن يجلس عضو الإخوان ينتظر الأمر من الجماعة.. انتخب فلان في هذه الجمعية، وفلان في نقابة المهندسين، وعلان في الانتخابات المحلية، والقائمة الفلانية في البرلمان.

إذا كان الإخوان يرون أنفسهم الحاضن الأكبر للمشروع الإسلامي الوسطي، فإن عليهم العمل في شتى الميادين الحياتية التي تخدم الأوطان دون أن تكون الجماعة منافسا أو طرفا في أي من هذه الاتجاهات. فالجماعة بحملها رسالة الإسلام وقيمه أكبر من أن تكون منافسا على منصب سياسي أو مهني أو خيري، وعليها أن تثمن كل جهد مخلص في هذا الاتجاهات؛ يحقق قيم الإسلام العليا التي تدعو الناس إليها.

أعلم أن البعض سيصرخ الآن: ما هذه الانهزامية؟ أنخلي الساحة للفاسدين؟ أكل هذا ردة فعل لمحنة ستزول كما زال غيرها؟

ولهؤلاء العاطفيين المخلصين أقول لهم: ليست مصر ولا أي دولة بين خيارين، إما إخوان أو فسدة. ومن ظن أنه لا يوجد مخلصون إلا في جماعته فعليه المسارعة لطلب العلاج من داء الكبر، ومن التحق بجماعة الإخوان أو غيرها من أجل منصب فقد ضل سواء السبيل، وإذا رأيت أنك أقدر على خدمة الوطن لذاتك لا لانتمائك لجماعة ما، فانهض وقم بحق الوطن، فالوطن أسمى من أية جماعة أو حزب.

ومن لا يتعلم من محنته إما أحمق أو قاسي القلب. لقد غضب الله على أقوام لأنهم لم يراجعوا أنفسهم حين نزل بهم البلاء، فقال تعالى: "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون". نعم الآية في سياق البعد عن الله، ولكنها تلفت الانتباه إلى ضرورة المراجعة عند المحن. وما أكثر ما ضرب القرآن أمثلة لقوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الأيكة وبني إسرائيل وغيرهم، وطلب من المؤمنين التفكر في أعمالهم وأخطائهم ومصائرهم.