صحافة دولية

واشنطن بوست: ما دلالات هجوم ترامب على اليهود الأمريكيين؟

واشنطن بوست: هجوم ترامب على اليهود الأمريكيين تعبير عن مواقف المسيحية الصهيونية- جيتي

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للكاتبة والباحثة تاليا لافين، تحت عنوان "ترامب يتعامل مع اليهود الأمريكيين كلهم بصفتهم إسرائيليين لأن قاعدته المسيحية الصهيونية تفعل هذا". 

 

وتحاول لافين في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، تحليل الجذور الدينية لتعليقاته حول "الخيانة الكبرى"، قائلة إن السجلات التاريخية تشير إلى أن وصول أول يهودي إلى أمريكا الشمالية كان في عام 1585، واسمه جاكويم غانز، وكان عالما في المعادن من براغ. 

 

وتشير الكاتبة إلى أن سير وولتر رالي قام بتعيينه في شركة تعمل في مستعمرة سيطلق عليها لاحقا فيرجينيا، إلا أن عمل غانز لم يستمر وغادر تاركا وراءه مجموعة من القطع النحاسية لاستخدامها في اكتشافات مقبلة، لافتة إلى أنه منذ وصول غانز فإن وجود اليهود في العالم الجديد ظل صغيرا لكنه كان ثابتا، ونشأت مجتمعات يهودية صغيرة في المستعمرات على طول الشاطئ الشرقي، وتضم يهودا شرقيين هاجروا من البرازيل وإسبانيا والبرتغال.

 

وتلفت لافين إلى أنه بحسب الأرشيف اليهودي الأمريكي، فإنه تم إنشاء أول مدرسة يهودية في المستعمرات في عام 1755، مشيرة إلى أن المؤرخ ليونارد دينرستين لاحظ أن المجتمعات اليهودية الصغيرة مثل "نقاط في فضاء بروتستانتي". 

 

وتذكر الباحثة أن أول معبد يهودي كان في شمال أمريكا، ولا يزال قائما هو كنيس تورو في نيوبورت في رود أيلاند، الذي أنشئ قبل ثلاثة أعوام من إعلان استقلال أمريكا، فكان معبدا متواضعا مكونا من أعمدة ونوافذ مقوسة، مشيرة إلى أنه بعد 300 عام من بناء الكنيس، قام رئيس الولايات المتحدة بأخذ فسحة ما بين السخرية من الدانمارك واتهام الصحافة الرئيسية التي تنشر الأخبار المزيفة، بحسب زعمه، باتهام اليهود الأمريكيين بأنهم يوالون بلدا آخر. 

 

وتنوه لافين إلى أن ترامب أعلن في يوم الثلاثاء أن ثلثي اليهود الأمريكيين الذين يصوتون للحزب الديمقراطي يعانون من "قلة معرفة أو ينقصهم الولاء" لأمريكا، وفي اليوم التالي استشهد بمذيع في "نيوزماكس"، الداعي لنظريات المؤامرة وين الين روت، الذي قال إن "الشعب اليهودي في إسرائيل يحبه كما وأنه ملك إسرائيل.. يحبونه كما أنه الظهور الثاني للرب، لكن اليهود الأمريكيين لا يعرفونه، إنهم حتى لا يعرفون ماذا يقول أو يفعل".

 

وتفيد الكاتبة بأنه بعد ساعات لاحقة، قام ترامب بتوضيح ما قصد فيه من تعليقات حول عدم ولاء اليهود الأمريكيين، قائلا: "برأيي فإنه عندما تصوت للديمقراطيين فأنت لست مواليا لليهود ولست مواليا لإسرائيل". 

 

وتقول لافين إن اليهود في أمريكا هم ثاني أكبر تجمع لليهود في العالم، فهناك حوالي 40% من اليهود يعيشون في البلد الذي يقوده ترامب، مشيرة إلى أن ملايين اليهود فروا من أوروبا مع بداية القرن العشرين؛ أملا في الفرار من المذابح والتمييز، مثل أجدادها، الذين هربوا من الهولوكوست، وتبع ذلك عدد آخر مع انهيار الاتحاد السوفييتي. 

 

وتشير الباحثة إلى أن "هناك ثقافة يهودية ظهرت في أمريكا في القرن الماضي، مليئة بالتناقضات الداخلية والإبداع والإمكانيات بحياة تحررت من التمييز المؤسسي، وهناك المسرح الناطق باللغة اليديشية في نيويورك، وهو ما خلق هوية يهودية أمريكية واضحة ومتجذرة في بروكلين وكوينز وكل مدينة أمريكية مثل فيها اليهود وغنوا". 

 

وتقول لافين: "لم نعد إسرائيليين مقتلعين نعيش هنا لفترة مؤقتة، ورغم ما يقوله أصدقاء ترامب الإنجيليون المسيحيون الذين تحولوا ليهود، فربنا يأتي مرة واحدة، والحديث عن أن ولاءنا وتصويتنا يجب أن يحدد بالوضع الجيوسياسي لبلد آخر يبعد آلاف الأميال، يعني محو الحياة اليهودية الأمريكية من اليهود الذين حصلوا على حق التصويت من خلال بنود الحقوق دون تحديد مكان غير (الأرض الذهبية) التي تمثلها أمريكا لليهود". 

 

وترى الكاتبة أن "تركيز ترامب على قطاع صغير من الناخبين الأمريكيين يبدو محيرا، خاصة أن حجم التصويت اليهودي لا يتجاوز 2% من مجمل أصوات الناخبين الأمريكيين، وأثبت اليهود الأمريكيون أنهم لا يرغبون بالتصويت له، فإن هناك 7 من 10 ناخبين يهود صوتوا للحزب الديمقراطي، وهذه النسبة ثابتة ولا يوجد ما يشير إلى تغيرها".

 

وتستدرك لافين بأن "التصريحات الغريبة التي أطلقها الرئيس عن اليهود هذا الأسبوع تكشف عن أنه يريد الحصول على أصواتهم، إن ترامب يحاول مهاجمة مجموعة إثنية للوصول إلى الجماعات المسيحية الإنجيلية التي تتحدث عن القدوم الثاني للمسيح، وتنصب ترامب ملكا على إسرائيل".

 

وتبين الباحثة أن "الصهيونية المسيحية، خاصة تلك القيامية منها، التي حققت تقدما في العقود الماضية، تمثل قوة انتخابية محلية في أمريكا، فالداعمون الأكبر للسياسة المعادية للفلسطينيين في السياسة الأمريكية هم المسيحيون الإنجيليون البيض، وهم أكثر القطاعات الانتخابية تعبئة في قاعدة ترامب، ويتجذر دعمهم لإسرائيل في كتاب الوحي، الذي يشترط عودة اليهود إلى الأرض المقدسة وتحويلهم وتوبتهم بعد رفضهم السيد المسيح، وعملية التعميد تتم بالنار، وبثمن محو الهوية اليهودية بالكامل، وهي علامة على نهاية التاريخ". 

 

وتلفت لافين إلى أن "قداسة إسرائيل بين الحزبين في الخطاب الأمريكي، الذي يتم فيه التعامل مع النقد الخفيف للدولة على أنه موضوع لا يمكن المساس به، لا علاقة لها بمجموعة يهودية صغيرة أكثر من علاقتها بتيار في العقيدة المسيحية، وهذا صحيح منذ الثمانينيات من القرن الماضي عندما بدأت الصهيونية المسيحية تعتمد على شخصيات مثل جيري فولويل وبات روبرتسون، إلا أن ترامب كشف عن موهبة لقول هذا بصوت عال، ويحتاج الأمر لجرأة ليصف شخص نفسه بأنه ملك إسرائيل ويكشف الستار عن سياسة خارجية أساسها الإنجيل". 

 

وتنوه الكاتبة إلى وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي يعد من أتباع الصهيونية المسيحية، التي تريد تحويل اليهود إلى بيدق يتم استخدامه في عملية تحويلهم إلى مسيحيين في المستقبل، يعد من الإنجيليين المتحمسين، الذي ناقش علانية حنينه إلى عودة المسيح وانضمامه له، وتحدث إلى مراسل من شبكة الإذاعة المسيحية في آذار/ مارس، قائلا إنه من الممكن أن الله أرسل ترامب لحماية إسرائيل من التهديد الإيراني، وأضاف أن "الرب يعمل هنا".

 

وتفيد لافين بأن "الإذاعة أجرت هذه المقابلة مع بومبيو في القدس، التي نقل ترامب السفارة الأمريكية إليها، واحتفل الإنجيليون بشكل واسع بنقل السفارة، فالقدس هي مفتاح النبوءة التي يبحثون عنها وينتظرونها، وتل أبيب التي ظهرت عام 1909 حيث كانت السفارة لم تكن لتظهر في كتاب الوحي". 

 

وتعلق الباحثة قائلة إن "الإسرائيليين وإن شعروا بالدهشة، إلا أنهم استفادوا من الإنجيليين المسيحيين رغم ما يدعون إليه من أهداف، ولم تكن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قريبة من إدارة ترامب إلا بفضلهم، ودون أن تكون الولاية الواحدة والخمسين". 

 

وتجد لافين أن "هذا الوضع مضافا إليه التحول نحو اليمين المتطرف لدى الحكومة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو أدى إلى صدع عميق في داخل المجتمع الأمريكي اليهودي، حيث أبدى الشبان اليهود من ذوي التوجه اليساري في منظمات مثل أصوات يهودية للسلام خيبة أمل بإسرائيل، فيما اتهمهم اليهود المتطرفون بعدم الولاء، وعبرت اللجنة اليهودية في الحزب الجمهوري عن مواقف ترامب حول عدم ولاء اليهود في سلسلة من التغريدات". 

 

وتختم الباحثة مقالها بالقول إن "المجتمع اليهودي في رأي الصهيونية المسيحية ليس مهما، وهم منتج جانبي للتاريخ يجب أن يتم محوه". 

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)