كتاب عربي 21

ماذا تحقق من وثائق الأخوة والمواطنة والتنوع؟

1300x600

برعاية وزير الثقافة اللبناني الدكتور محمد داوود أطلق رئيس جائزة الأكاديمية العربية الأستاذ رزق الله الحلو في بيروت النسخة الأولى من وثيقة "بالمحبة نبنيه" والمستوحاة من وثيقة أبو ظبي حول الأخوة الإنسانية والتي وقعها قداسة البابا فرانسيس وسماحة شيخ الأزهر الدكتور أحمد أبو الطيب في شهر شباط (فبراير) الماضي، وشارك في التوقيع حشد كبير من الشخصيات الدبلوماسية والسياسية والفكرية والإعلامية ورؤساء البلديات، وركزت الكلمات التي القيت في الاحتفال على أهمية هذه الوثيقة وضرورة الالتزام بمضمونها حماية للبنان وحماية التنوع والحريات والحوار بين الأديان.

 

جوهرها احترام حقوق الإنسان

والوثيقتان (وثيقة الأخوة في أبو ظبي، ووثيقة بيروت) تتضمنان الكثير من الأسس المهمة التي تؤكد على احترام الإنسان وحقوقه وحرياته وضرورة التعاون جميعا لمواجهة العنف والتطرف، كما لا بد من الإشارة إلى أن هاتين الوثيقتين تلتقيان بشكل أساسي بالإرشاد الرسولي الذي أطلقه البابا يوحنا بولس الثاني حول لبنان عام 1997 والذي يتلخص بالشعار الكبير: "إن لبنان رسالة"، وهذا ما أكده العديد من العلماء والمفكرين وكبار الشخصيات الدينية والسياسية اللبنانية والعربية والإسلامية.

كما أطلقت خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الوثائق والإعلانات من عواصم عربية وإسلامية متنوعة وتؤكد كلها على دعم التنوع والمواطنة وحقوق الإنسان والاعتراف بالآخر، وترفض العنف والتطرف والإساءة للإنسان من منطلق ديني أو عرقي أو سياسي.

وكل هذه الوثائق تلتقي مع المبادئ الأساسية للأديان وخصوصا الدين الإسلامي، ومنها:

أولا: حرية الاعتقاد والإيمان، وقد جاء في الاية الكريمة: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) الكهف (29).

ثانيا: التعددية والتنوع حقيقة إنسانية وعالمية ودينية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) سورة الحجرات (13).

ثالثا: الحق بالحوار والنقاش حتى بين الله عز وجل وإبليس والشيطان، وهذا ما أقره الله عز وجل خلال حواره مع إبليس في القرآن الكريم: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) ) سورة الأعراف.

رابعا: حرمة قتل الإنسان: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) سورة الانعام (151).

خامسا: رفض الظلم: والآيات  التي تتحدث عن رفض الظلم كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون* وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين* ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل* إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم* ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) (الشورى: 39-42).

والحديث المنقول عن الإمام علي يؤكد الأخوة الإنسانية عندما قال: "الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو أخ لك في الخلق".

 

الوقائع تتعارض مع الوثائق


كل ذلك يؤكد لنا الحق بالحياة والعيش الكريم وأن نكون جميعا متساوين ومواطنين ونعيش سوية في أوطاننا، ومن هنا أهمية هذه الوثيقة وغيرها من الوثائق التي أطلقت في بيروت والقاهرة وعمان والمغرب والعديد من العواصم العربية والإسلامية والتي دعت إلى الحوار والتنوع والاعتراف بالآخر ورفض العنف. ولكن الأهم من كل ذلك كيف نحوّل كل هذه الوثائق والنصوص إلى خطوات عملية وإلى قوانين وتشريعات وعيش حقيقي، سواء في لبنان أو في بلد عربي أو إسلامي، لأنه للأسف فإن الوقائع على الأرض تتعارض كلية مع كل هذه الوثائق والإعلانات التي تعلن والمؤتمرات والندوات التي تعقد.

ما نحتاج إليه اليوم من جميع المؤسسات الدينية والهيئات المدنية والمؤسسات الحوارية أن تقدم لنا حصيلة عملية لكل هذه الوثائق وما تحقق منها من نتائج واقعية وأن تضع برنامجا للمؤشرات حول الأخوة الإنسانية في كل بلد على حدة، وبذلك نستطيع أن نقيّم نتيجة ما يعلن من وثائق أو ما يعقد من مؤتمرات وندوات.