ملفات وتقارير

لماذا يستخدم السيسي الأمن القومي للتجسس على المصريين؟

أكد الخبراء أن السيسي بهذه الخطوة يعلن صراحة سيطرة الأجهزة الأمنية على كل مفاصل الدولة المصرية- أرشيفية

أثار إعلان رئيس نظام الانقلاب العسكري بمصر عبد الفتاح السيسي، عن إنشاء مشروع "عقل جامع لبيانات الدولة"، يحتوي على منظومة ضخمة من الخوادم في مكان ما تحت سطح الأرض بعمق 14 مترا، الكثير من علامات الاستفهام عن دلالة الإعلان عن هذا المشروع الغريب، بهذا التوقيت.


وأكد الخبراء أن السيسي بهذه الخطوة يعلن صراحة سيطرة الأجهزة الأمنية على كل مفاصل الدولة المصرية، خاصة أن بيانات الحكومة والمواطنين، ليست بهذه السرية التي يتطلبها إنشاء مجمع ضخم يعمل فيه 50 ألف مواطن، ويكون مكانه سريا تحت الأرض، لاعتبارات الأمن القومي.


ويؤكد المختصون لـ"عربي21" أن كثيرا من الجرائم يتم ارتكابها في حق الشعب المصري، بحجة الأمن القومي، خاصة أن الهدف الواضح من مشروع السيسي هو إنشاء أكبر قاعدة للتجسس على بيانات المصريين، واستخدامها لفرض المزيد من الضغوط وإحكام القبضة الأمنية.


وكان السيسي أكد في جلسة التحول الرقمي بمؤتمر الشباب الذي عقد بالعاصمة الإدارية على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، إنشاء ما وصفه بـ "العقل الجامع" للدولة المصرية، على عمق 14 مترا في منطقة ما تحت الأرض، موضحا أن هذا المجمع المعلوماتي يتمتع بأعلى درجات التأمين، وأن هناك مكانا آخر يقوم بدور "عقل" بديل، في حالة حدوث أي طارئ.


وأوضح السيسي أنه في السابق كان لكل وزارة منظومتها المعلوماتية، ولكن المنظومة الجديدة ستجمع كل بيانات الدولة في مكان واحد، من خلال 50 ألف موظف تم تدريبهم للتعامل مع هذه البنية التكنولوجية الجديدة.

 


عقلية أمنية

 
وفي تعليقه على هذا المشروع، يؤكد الكاتب الصحفي سليم عزوز لـ"عربي21"، أن السيسي يستخدم مصطلح الأمن القومي لتبرير الكثير من تصرفاته الغريبة التي يفرضها على منظومة الدولة المصرية، ومنها هذا المجمع السري لتجميع معلومات المصريين، موضحا أن الفكرة يغلب عليها التفكير الأمني، وليس المنظور الإداري والتقني.


وحسب عزوز فإن السيسي ما زال يتعامل حتى الآن باعتباره رئيسا للمخابرات العسكرية، وأنه في منافسة مع أجهزة الأمن الأخرى وخاصة الأمن الوطني، المتحكم الأول في معلومات المصريين خلال حقبة مبارك، وهي المنافسة التي تجعله يتعامل مع شؤون الدولة انطلاقا من العقلية الأمنية، وليس العقلية السياسية المطلوبة في رجال الدولة.

 

اقرأ أيضا: السيسي يضحك على "الأوضاع الاقتصادية في مصر" (شاهد)


ويضيف عزوز قائلا: "هل معلومات المصريين الخاصة ببطاقات التموين تحتاج لمنظومة سرية يتم إنشاؤها تحت الأرض، أم إن الأمور لها أهداف وأسباب أخرى، لاستخدام هذه البيانات، في إحكام القبضة الأمنية والبوليسية على المصريين، واستخدام بياناتهم في تنفيذ مخططات السيسي لإلغاء الدعم، والسيطرة على أموال المواطنين، وتصفية واستبعاد معارضيه من كل المناصب، وغير ذلك من الإجراءات القمعية المتوقعة؟".


دولة الجواسيس


ويشير رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشورى المصري السابق عز الكومي، إلى أنه في ظل الدول البوليسية والأنظمة الشمولية يتم قهر الشعوب بشتى الوسائل وخاصة الوسائل القمعية، والسيطرة على المواطنين من خلال وسائل عديدة، منها مراقبة المواطن وتجنيده ليكون مخبرا على غيره.


ويؤكد الكومي لـ"عربي21"، أنه مع تطور هذه الأساليب أصبحت الدولة تتجسس مباشرة على المواطنين دون الحاجة لمخبرين، ولذلك فإن ما أعلنه رئيس الانقلاب، يصب في هذا الاتجاه بزعم تطوير التحول الرقمي لتحسين الأداء الحكومي، وهو ما يطرح تساؤلات عن كيفية هذا التطوير في ظل المركزية الشديدة، والبيروقراطية القاتلة، والمحسوبية الفجة، والفساد المتمثل في الرشاوى والواسطات التي أصبحت من سمات النظام الحالي.


ويضيف الكومي قائلا: "على طريقة يكاد المريب أن يقول خذوني، حاول السيسي تبرير مخططه في السيطرة على بيانات المصريين، بطمأنتهم أن هذه البيانات ستكون خاصة جدا، ويتم التعامل معها بخصوصية شديدة، وسرية مناسبة، ولا يمكن أن تكشف إلا بأنساق أمنية مختلفة طبقا لقواعد وضعت في هذا المجال".

 

اقرأ أيضا: هكذا أحكم السيسي قبضته على الحكم المصري بعد الانقلاب


ووفق الرئيس السابق للجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى المصري، فإن هذا المشروع الذي وصفه السيسي بـ"القومي الكبير جدا"، لم يكن يحظى بموافقة كل الجهات الأمنية المعنية، حتى لا يتم استخدام البيانات بما يضر الأمن القومي، ولكنه أقنعها بأهمية المشروع، والتأكيد على أن بيانات المصريين "أمن قومي".


ويؤكد الكومي أن "هذا الكلام يدعو للتساؤل عن صراع الأجهزة الأمنية، ومحاولة كل جهاز لفرض سيطرته على حياة المصريين، وما هي الحاجة لمقر سري تحت الأرض، وهل أولويات المواطنين الآن هذه المشاريع المثيرة للقلق، أم توفير المشروعات الاقتصادية الحقيقية التي ترفع من مستوى المعيشة وتحارب الفقر الذي يأكل المصريين من كل اتجاه".


وحسب الكومي فإن "المستفيد من هذا المشروع في المقام الأول هو الكيان الصهيوني، الذي يعتبر الحصول على بيانات المصريين قمة الإنجاز والنجاح، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها نقل بيانات المصريين لإسرائيل، بطرق ملتوية سواء من خلال شركات الاتصالات المشبوهة، أو بالأساليب المخابراتية الأخرى".