"هنعمل اللي علينا ونقدم صورة للعالم وللشعب المصري إن هي دي مصر ودول أبناءها" ببنطال رياضي أصبحت له "كُسَرْ" كبنطال كلاسيكي رسمي وتيشيرت أبيض تظهر عليه العلامة التجارية في مخالفة صريحة للبرتوكول الرئاسي، تحدث السيسي مع أعضاء اتحاد كرة القدم المصري ولاعبي الفريق قبيل كأس الأمم الأفريقية التي ودعت مصر فيها البطولة مبكرا في فضيحة كروية مدوية.
لكل نتيجة مقدماتها ولكل إنجاز أو فشل أسبابه التي أوصلت إليه، وفي حالة السيسي ونظامه ففشل المنتخب المصري على أرضه ووسط جماهيره بهذا الشكل الفاضح كرويا والذي لم يحدث في تاريخ مصر في كل البطولات التي استضافتها، هذا الفشل ليس مفاجئا للكثيرين، بل كان متوقعا أكثر من ذلك، ولكنها ألطاف الله، واللعب بالقصور الذاتي لمهارة محمد صلاح لاعب ليفربول الإنجليزي أو تسديدة عابرة من تريزيجيه مع دعوات الوالدين وبعض الأطفال الداعمين لمنتخب بلادهم.
السيسي ونظامه نجح في الشيء الوحيد الذي يعرف طريقته، وهو اعتقال مزيد من الأطفال والشباب ومنع الجمهور الحقيقي من حضور المباريات، ثم أكمل طريقه الفاشل للنجاح الأمني منقطع النظير بتطبيقه نظام "الفان اي دي" وهو نظام إلكتروني لكل مشجع يريد حضور المباريات
"هنعمل اللي علينا" طالبهم السيسي بذلك والمثل الشعبي يقول: "أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب" فثقافة التخطيط وعمل اللازم لإنجاز المهام ليست من أدبيات الجنرال السيسي، فهو من قال ذات يوم: "لو كنت مشيت بخطط جدوى للمشروعات التي عملنا عليها لم نكن لننجز أي منها بهذه الخطط" فالرجل لا يخطط، ولم يتعلم في الجيش أن يخطط والخطة الوحيدة التي وضعها ونجح فيها كانت خطة إجهاض الثورة، لأنه استخدم فيها الشيء الوحيد الذي "بيعمل اللي عليه فيه" وهو السلاح والقوة العسكرية، أما ما دون ذلك في اقتصاد وسياسة وتعليم وصحة، فهو يملك كامل الوزير عصاه السحرية، ومن ورائه الجيش ليختصر له مدة إنجاز مشروع في سيناء من خمس سنين لسنتين، ومشروع آخر في دمياط من ثلاث سنوات لسنة واحدة، ومشروع ثالث في العاصمة الإدارية من سنة لستة أشهر هكذا دون مراجعة أو حسابات أو تقييم أو دراسة فقط نداء عسكري من السيسي: يا كامل، يعقُبه: تمام يا فندم، ولا أحد يعلم ما الذي سيجري وكيف سيتم بعد ذلك؟
السيسي الذي طالب لاعبي المنتخب بتقديم صورة تليق بمصر أمام العالم، فشل في تقديم نفسه بصورة لائقة عند إلقائه لهذه الكلمة، فملابسه كانت محل سخرية كما كانت تصريحاته من قبل، وصوته في افتتاح كأس الأمم تحول من لقطة أراد إضافتها إلى رصيده إلى وصمة عار ومحل استهزاء من مئات الآلاف على مواقع التواصل الاجتماعي، النظام السياسي الذي فاجأته الجماهير داخل استاد القاهرة بالهتاف لأبو تريكة عند الدقيقة الثانية والعشرين، وهو الهتاف الذي تكرر، قرر أن "يعمل اللي عليه" تجاه هذه الجماهير، فارسل المخبرين يراقبون وأطلق طائرات الدرونز تلتقط صور من يهتف لأبو تريكة، والنتيجة أن السيسي ونظامه نجح في الشيء الوحيد الذي يعرف طريقته، وهو اعتقال مزيد من الأطفال والشباب ومنع الجمهور الحقيقي من حضور المباريات، ثم أكمل طريقه الفاشل للنجاح الأمني منقطع النظير بتطبيقه نظام "الفان اي دي" وهو نظام إلكتروني لكل مشجع يريد حضور المباريات، سجل اسمك ورقمك القومي، وبعض المعلومات الشخصية الأخرى، التي نستطيع مراقبتك من خلالها كي تحصل على تذكرتك وتدخل الاستاد، وإياك والهتاف، وإياك والتشجيع حتى لو كنت من جنسية أخرى غير المصرية وقررت الهتاف باللغة الجزائرية مثلا: "يتنحوا فاغ" عندها ستعتقلك الشرطة المصرية وتقوم بترحيلك إلى بلادك فنحن في مصر "بنعمل اللي علينا" في إفشال كل شيء له علاقة بكرة القدم والبطولة في سبيل النجاح الأمني، ما أقوله هنا ليس مبالغة، وإنما هي تصريحات لهاني أبو ريدة رئيس اتحاد كرة القدم المصري، الذي قال في مؤتمر صحفي منذ أيام: "كان يمكننا أن نسمح للجماهير بالحضور دون كل هذه الإجراءات الأمنية، ولكن الحرص على الجانب الأمني له أولوية لدينا".
مصر السيسي، وفي مصر السيسي لا استقالة، ولا اعتذار، ولا مراجعة، فتلك المصطلحات وهذه الإجراءات تتم فقط في الدول التي تحترم نفسها وتحسب حسابا لشعوبها
مدرب يحصل على ما يقارب اثنين مليون جنيه مصري شهريا كأعلى راتب لمدرب أجنبي في البطولة واتحاد كرة قدم فاشل، حصل على المركز قبل الأخير في كأس العالم الأخيرة، ولم يتقدم باستقالته وأصر على الاستمرار وأعضاء اتحاد الكرة يحتكرون البرامج الرياضية في القنوات الفضائية الخاصة، وأكثرهم يعمل صباحا عضوا في اتحاد الكرة، ثم يذهب إلى قناته الفضائية كي يجري مقابلات مع زملائه أعضاء الاتحاد كي يتناقشوا ويروجوا لقرارات الاتحاد، واختياراته، وصفقاته، وفشله أيضا، وأعضاء جهاز فني يختارون اللاعبين بناء على المحسوبية والواسطة، ولا علاقة لاختياراتهم بالكفاءة، مثلما حدث مع استبعاد حارس مرمى نادي الوحدة السعودي محمد عواد، لانتقاده مدرب حراس المرمى أحمد ناجي عبر صفحته على "فيسبوك" ولاعبون صوروا إعلانات تلفزيونية أكثر مما تدربوا، وتم استبعاد زميلهم عمرو وردة بتهمة التحرش ليشكل هؤلاء اللاعبون لوبي ضاغط على اتحاد الكرة، ويعيدوا زميلهم المتحرش مرة أخرى ليلعب مع الفريق، آخر مباراة لهم قبل الخروج بفضيحة كروية وأخلاقية أيضا، ولكن لو وضعت كل ما سبق من معطيات فنية ومقدمات للفشل أمام أي عاقل لوجه إليك سؤالا واحدا فقط: لماذا لم يستقل هؤلاء اعتذارا منهم على الفشل؟
الإجابة يا عزيزي لأن هذه هي مصر السيسي، وفي مصر السيسي لا استقالة، ولا اعتذار، ولا مراجعة، فتلك المصطلحات وهذه الإجراءات تتم فقط في الدول التي تحترم نفسها وتحسب حسابا لشعوبها، ولو استقال اتحاد الكرة سيعودون من جديد بثياب أخرى، وبوجوه أخرى، وبأسماء أخرى، فهذه الأمور ليست من أدبياتهم، لأنك في مصر السيسي يمكنك أن تكذب، وتعد شعبك بوعود ولا تلتزم بها ثم تكذب ثانية، وتعدهم بوعود أكثر، ثم تكذب مرة أخرى، وتعدهم بوعود أكبر، ثم تخرج متجهما غاضبا صارخا في وجوههم متهما إياهم بعدم تحمل المسؤولية معك، وعدم الوقوف إلى جانب بلدهم.
في مصر السيسي يمكنك أن تقوم بانقلاب عسكري وتسمه ثورة مجيدة ويمكنك أن تعتقل رئيسا منتخبا وتتركه يموت من الإهمال الطبي ثم تسمه المدعو محمد مرسي، وتصف وفاته بالطبيعية ويمكنك قتل أكثر من 800 شخص في يوم واحد، ثم تحاكم أصدقاءهم بتهمة قتلهم، ويمكنك أن تجعل ديون مصر الخارجية تقارب المائة مليار دولار، وترفع أسعار البنزين والسولار خمس مرات في ثلاث سنوات، وترفع الدعم عن السلع الأساسية والمحروقات، ثم تصف نفسك برائد الإصلاحات الاقتصادية، ويمكنك أيضا أن تتنازل عن أراض مصرية لدولة عربية، ثم تصف نفسك بحامي حقوق الغير ومنفذ وصية والدتك، نعم يمكنك فعل كل هذا دون محاسبة أو استقالة أو شعور بالذنب حتى فلم يعد هناك ما يقلقك أو تخشى منه، طالما بقيت وبقي من حولك من حاشية في فعل ما يتوجب عليكم فعله وهو القمع الأمني .
خسر المنتخب المصري وخرج بفضيحة كروية وأخلاقية تليق بحقبة السيسي بكل فشلها وفسادها الأخلاقي والسياسي والرياضي أيضا، وبقي للجمهور المصري وللشعب المصري فرصة أن يلتفت لزيادة أسعار البنزين، ومحاربة المتحرشين وتذكّر الغائبين خلف الزنازين، لعل في التفاتتهم تلك يحدث أمر خير ينتظره ملايين المصريين.
(عن صحيفة الاستقلال)