يناهز عدد براءات الاختراع المسجلة رسميا في الولايات المتحدة، خلال المائتي عام الماضية أحد عشر ألفا، وكثير من الاختراعات التي يتم تسجيلها في الولايات المتحدة، أبدعها أشخاص من غير الأمريكيين، وقاموا بتسجيلها لدى دوائر الملكية الفكرية الامريكية، لأنهم يعرفون أنهم ما لم يفعلوا ذلك، فإن الشركات الأمريكية الكبرى ستستولي عليها وتستفيد منها تجاريا، بعد تسجيلها باسم مختلف، مع تلاعب طفيف في المواصفات.
ليس من بينهم دولة عربية
والدول العشر الأوائل في مجال الاختراعات وتسجيلها هي بالترتيب: اليابان وأمريكا والصين وكوريا (الجنوبية وليس النووية)، والمانيا وكندا وروسيا واستراليا وبريطانيا والهند، واستخدمت منخل/ غربال غوغل، لأعرف أين موقع الأَعراب من الإعراب في هذا المجال، فما وجدت أكثر من دولة عربية واحدة في قوائم منظمة الملكية الفكرية خلال السنوات العشر الماضية، وكانت في العشر الأواخر (هي حزمة رقمية، ليس فيها البركة كما في العشر الأواخر من رمضان).
الاختراعات المسجلة في الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين تربو على الخمسة ملايين، وطالما أن العالم لم يعرف عن أكثر من نحو خمسين من الاختراعات الجديدة لأنها لقيت الرواج التجاري والقبول من المستهلكين خلال تلك الفترة، فلا شك في أن معظم تلك الاختراعات "فاشوش"، أي شطحات خيال علمي، او لعل بعضها يجد حظه من القبول لاحقا.
فهناك من اخترع إصبع زبدة، بنفس فكرة إصبع الصمغ لدهن شرائح الخبز بها، وآخر اخترع وسادة مرنة، قال إنها تصلح لفض الاشتباك بين نهدي المرأة عند الرقاد بمنعهما من الالتصاق، وهناك المظلات الصغيرة التي تعلو الأحذية، حتى لا تبتل عند سير من يرتدونها خلال هطول الأمطار.
وهناك من ذهب الى أبعد من ذلك، وطرح مياه شرب زاعما أنها تحوي روابط البيبتايد، وبالتالي تناسب من ينشدون الحمية/ الريجيم، ما يوحي بأن الماء الذي ظللنا نشربه عبر القرون، يحوي الدهون والنشويات والسكريات.
ولو تم توزيع براءات الاختراع التي صدرت في جميع أنحاء العالم على حصص متساوية لكل مليون نسمة، لكان نصيب العالم العربي الافتراضي منها نحو أربعمائة ألف، بينما نصيبه الفعلي (في العشرة الأواخر) لا يزيد على 2500 منذ قيام منظمة ويبو المعنية بالملكية الفكرية، بينما نصيب إسرائيل وحدها من الاختراعات المسجلة لدى ويبو منذ تأسيسها في حزيران/ يونيو من عام 1967 يناهز الخمسة وأربعين ألفا.
لا يعني هذا أن العقول العربية خاملة، بل يعني أن النظام التعليمي العربي وبيئات العمل العربية لا تشجع البحث العلمي والابتكار، بدليل أن هناك علماء ومخترعين عربا أفذاذا يعملون في معاهد ومراكز ومنشآت الغرب البحثية والصناعية.
الدكتور كامل إدريس (سوداني)، هو أطول مديري ويبو سجل خدمة فيها، ولم يكن ليسمع حتى بمصطلح الملكية الفكرية، ما لم يلجأ إلى سويسرا للدراسات العليا، وهو الذي وضع ويبو على الخريطة، بإقناع العديد من الدول للانضمام إلى البروتكولات التي تنظم وتحمي الملكية الفكرية.
بلدان طاردة
ولا يجوز تناول موضوع الاختراع والإبداع، دون تناول حكاية الطفل "السوداني!!!" أحمد الذي اخترع الساعة قبل ثلاث سنوات، وحكايته التي اطلع عليها الكثيرون، كما يلي:
دخل أحمد غرفة الدراسة في مدرسة في مدينة آرلنغتون في ولاية تكساس، وهو يحمل شيئا في حقيبة يدوية، وكان ذلك الشيء يصدر تكتكة عالية، فاشتبهت المعلمة أن ذلك الشيء قنبلة واستدعت الشرطة، واتضح بعد التحريات والتقصي أنها ساعة كبيرة الحجم قام أحمد بتجميعها، وهاج الإعلام العربي، وشاطر والد الصبي الرأي بأنه تعرض للاستهداف بسبب دينه ولونه.
ولم يهدأ خاطر والده، إلا بعد أن وجد مناصرة عربية أبيّة لرفع قضية ضد المدرسة، باعتبار أن ابنه تعرض للتمييز العرقي والديني، ولكن القاضي رمى بالقضية خارج المحكمة وألزمه بتحمل تكاليفها، من منطلق أنه كان من البدهي أن تشك المعلمة في أمر شيء يتكتك بصوت مرتفع في بلد يعاني من البرانويا (عقدة الاضطهاد).
النظام التعليمي العربي وبيئات العمل العربية لا تشجع البحث العلمي والابتكار،
وفي السودان حكومة لا تقبل الضيم، خصوصا إذا كان مصدره إحدى دول الاستكبار، وخصوصا جداً إذا كانت تلك الدولة تقابل بالصد والنفور جميع محاولات الغزل من قبل السودان، وهكذا تم استقبال الصبي في الخرطوم استقبال الفاتحين، ونقل التلفزيون كيف رحب به رئيس الجمهورية وكبار القوم في البلاد.
وحقيقة الأمر أن أحمد لم يخترع شيئا، بل أنتج نسخة سيئة لما هو مُختَرَع سلفا، ولكن حتى لو سلمنا بأنه كان أول من اخترع الساعة في أيلول (سبتمبر) من عام 2015، فإنه فعل ذلك بحكم أنه أمريكي، ولا علاقة للأمر بكونه من أصل سوداني.
وعطفا على حكاية المخترع الذي لم يخترع شيئا بغض النظر عن جنسيته وأصله وفصله، تأتي حكاية الملاكم المعتزل نسيم حميد، فعندما كان يكسب جولات الملاكمة صار يمنيا، مع أنه لم ير اليمن إلا على الأطلس، حتى استدعاه الرئيس اليمني المخلوع (أولا، والراحل لاحقا) علي عبد الله صالح، ليفاخر الأمم بأن اليمن أنجبت بطلا رياضيا، ولم يكن عليه أن نسيم ولد بريطانيا في شيفيلد، التي لجأ والده إليها بعد أن ضاقت به اليمن.
هكذا نحن أبناء وبنات البلدان الطاردة لمواطنيها، ننسى أمرهم دهورا طويلة، ولكن ما أن يحقق أحدهم إنجازا لافتا، حتى نلهث لتذكير العالم بأنه "أصلا تَبَعْنا"، وهكذا ما أن خسر نسيم ألقابه في عام 2000 حتى تم شطبه من الذاكرة اليمنية والعربية.
فعلنا نفس الشيء مع كارلوس غصن، الذي نال الثناء من جميع دوائر الصناعة والمال عندما صار رئيسا تنفيذيا لشركة نيسان لصناعة السيارات، وتفاخرنا بأنه لبناني، ولكن ما إن سقط قبل أشهر، وصار ملاحقا بتهمة الاختلاس وتبديد أموال الشركة، حتى رددناه إلى جنسيته البرتغالية ـ البرازيلية.
إقرأ أيضا: هذه أفضل 6 اختراعات عرضت بأكبر معرض للتكنولوجيا 2018