قضايا وآراء

لا تظلموا الوطن ...

1300x600
الوطن العربي من الخليج الهادئ إلى المحيط الهادر بكل ما يملك من ثروات طبيعية وبشرية وموقع جغرافي يؤهلهُ لأن يكون في مقدمة الأمم بلا منازع، لا يملك قوة ولا قرارا ولا إنجازا يُذكر، يعيش في الظل مكسورا، بينما الأمُم الأُخرى تتسيد الأرض وتغزو الفضاء، ارتضى حُكامهُ على دُولهم الذِلة والمهانة قابعين في مُؤخرة الدول طواعية وبإراداتهم الهشة يستقبلون ولا يُرسلون، يستقوون على شعوبهم بالحديد والنار وينحنون احتراما وتقديرا وتمجيدا لغيرهم، يتفاخر ويتباهى أهلهُ  بتاريخهم وبحضارتهم ويتجاهلوا خوفا ومُكرهين حاضرهم الأسود ومستقبلهم المجهول.

يتحدثون عن انتصاراتهم وفتوحاتهم المجيدة ويتناسوا الهزائم والانتكاسات والإخفاقات، والوطن يُراقب مغلوبا على أمره ولسان حاله يقول ارحموني يرحمكم الله، والشعوب التي فُطِرت على الحُب والانتماء للوطن تُجبر مُكرهة على عشق الدولة بحكامها ونظامها وقوانينها حتى وإن كانت لا تعرف العدل والمساواة، فانقلبت المفاهيم لتصبح المُلك أساس العدل بدلا من العدل أساس المُلك.

الوطن لم ولن يلفظ أبناءه أبدا بل الدولة هي من لفظتهم وأخرجتهم من أحضانها فلا مكان للمشاكسين والمشاغبين، لقد ضاق حضن الدولة على كل من يطمح أو يأمل أو يسعى للتغيير، فالدولة هي الأساس ونظامها هو الحاكم الذي يعلم ما لا تعلمون، والوطن ومن فيه أدوات طيعة لحفظ الاستقرار والسلام لهم ولمن يدور في فلكهم فقط، وعلى البقية أن يعيشوا من فُتات موائدهم فالإنسان لا قيمه له.

والأصل أن العلاقة بين المواطن ودولته علاقة تكاملية أي أن توفير الحياة الكريمة والحرية والعدالة والمساواة من قبل الدولة هي التي تحفظ الاستقرار للدولة والوطن معا، الدولة تزول وتندثر ويبقى الوطن، الوطن ليس مسؤولا عن فقر أبنائه وبؤسهم وجهلهم ومرضهم، وليس مسؤولا عن هجرة العقول والعلماء والمفكرين والمثقفين وأصحاب الرأي ، الوطن لا يُجبر أبنائه على ركوب قوارب الموت هاربين من ضنك الحياة، بل الدولة هي من أوصلتهم لهذا الخيار الصعب.

إن الدولة وأنظمتها الفاسدة هي من تجثم على صدر الوطن وأبنائه وتهدر ثرواته بلا حسيب أو رقيب و تُفرق أبنائه لكي تسود، فنحن في نظرهم لسنا أكثر من عبيد علينا السمع والطاعة، ويتوجب علينا أن نُصفق لهم ونمتدح إنجازاتهم الوهمية ومشاريعهم الفاشلة وخططهم التي نسمع عنها ولا نراها،  فلا تظلموا الوطن فهو يعيش فينا ونحن نعيش فيه لا نفترق عنه أينما ارتحلنا، عِشقنا واشتياقنا له وأرواحنا فداءا لكرامته، عاش الوطن حرا عزيزا وتسقط الدولة القمعية المُستبدة التي لا ترعى مصالح الوطن والمُواطن .