كتاب عربي 21

تعامل تركيا مع قضية اختفاء خاشقجي

1300x600
قام فريق البحث الجنائي التركي المشارك في مجموعة العمل المشتركة المشكلة للتحقيق في قضية اختفاء الكاتب السعودي، جمال خاشقجي، بتفتيش مقر القنصلية السعودية، كما بدأ في تفتيش بيت القنصل السعودي محمد العتيبي في إسطنبول، إلا أن الفريق السعودي عرقل عملية التفتيش، ما دفع أعضاء الفريق التركي إلى وقف العمل ومغادرة البيت. وبعد ساعات من دعوة الأمم المتحدة إلى رفع الحصانة الدبلوماسية عن المتورطين في الجريمة، وقبيل بدء الفريق التركي في تفتيش مقر إقامة القنصل السعودي، غادر العتيبي تركيا بشكل مفاجئ، عائدا إلى بلاده.

قضية اختفاء خاشقجي أثارت منذ اللحظة الأولى اهتمام الرأي العام العالمي، واتجهت الأنظار إلى السلطات التركية لمعرفة ملابسات القضية، ومصير الكاتب الشهير، وحقيقة ما حدث في القنصلية السعودية، في ظل إلحاح الجانب السعودي على نفي اختفاء خاشقجي في القنصلية، والتشديد على أنه خرج من المبنى بعد 20 دقيقة من دخوله.

تركيا تعاملت مع هذه القضية بمنتهى الحساسية والجدية، في إطار القوانين والمواثيق الدولية؛ نظرا لأبعادها العديدة وتبعاتها الخطيرة. وفتحت النيابة العامة في إسطنبول تحقيقا لكشف ملابسات اختفاء خاشقجي، إلا أن أنقرة قامت من جهة أخرى بتسريب بعض المعلومات المؤكدة إلى وسائل الإعلام العالمية؛ لحشد الرأي العام العالمي بهدف إفشال محاولات طمس الأدلة، وتحويل القضية إلى مجرد أزمة بين أنقرة والرياض.

قضية خاشقجي تشغل الرأي العام العالمي منذ الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري. ونشرت وسائل الإعلام وكالات الأنباء العالمية، نقلا عن مسؤولين أتراك، تفاصيل مروعة حول اختفاء الكاتب الشهير، إلا أن أنقرة ما زالت تتريث في إعلان نتائج التحقيقات، الأمر الذي أثار علامات استفهام حول سبب تأخر الإعلان الرسمي.

هل هناك صفقة ما بين السعودية وتركيا لطي صفحة هذه القضية؟ وهل ستخفي أنقرة أدلة الجريمة؟ وهل باع أردوغان دم خاشقجي؟ مثل هذه الأسئلة وغيرها تمت إثارتها في مواقع التواصل الاجتماعي، من قبل متعاطفين مع قضية الكاتب السعودي أو أشخاص يصطادون في الماء العكر؛ للإساءة إلى تركيا ورئيسها.

التطورات التي حدثت حتى الآن في قضية خاشقجي أثبتت أن تركيا لن تساوم على دم خاشقجي، ولن تمتنع عن كشف الحقائق وإعلانها إلى العالم؛ لأنها ليست دولة انتهازية. ولكنها في المقابل، ليست أيضا دولة تبدي ردة فعل انفعالية غير مدروسة، ركوبا للموجة، واستجابة لإثارة هذه الجهة أو تلك. كما أنه من الطبيعي أن تنتظر السلطات التركية استكمال التحقيقات والإجراءات القضائية، حتى يتم جمع كافة الأدلة وإعداد ملف متكامل.

الجانب السعودي طلب من السلطات التركية في البداية أن يتم تفتيش مبنى القنصلية السعودية بعيون مجردة، دون استخدام مواد كيماوية خاصة لكشف آثار بقع الدماء المزالة، إلا أن الجانب التركي رفض هذا الطلب، وأصر على ضرورة استخدام المحققين أساليب وأجهزة متنوعة خلال تفتيش مبنى القنصلية السعودية، بما فيها مصابيح الأشعة تحت الحمراء. ولو كانت هناك صفقة بين البلدين لما كان هذا الإصرار، ولما تم تسريب هذا الكم الهائل من المعلومات التي جعلت إغلاق الملف بصفقة، دون ملاحقة المجرمين ومعاقبتهم، أمرا مستحيلا.

تركيا قامت حتى الآن بما يجب عليها في قضية اختفاء خاشقجي، ومن المؤكد أنها لن تتردد في كشف الحقائق، وملابسات القضية، وإعلان نتائج التحقيقات إلى الرأي العام العالمي. وقد يقوم المدعي العام التركي باستجواب العاملين في القنصلية السعودية، كما صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، ليأتي بعد ذلك دور المجتمع الدولي في محاكمة المجرمين ومعاقبتهم. وقد يتم تشكيل لجنة تحقيق دولية أو محكمة خاصة لتقوم بهذه المهمة.

هناك سؤال آخر يطرح نفسه، وهو: "هل يستطيع المجرمون المتورطون في اغتيال خاشقجي الإفلات من المحاسبة والعقاب بدعم واشنطن؟". قد يبدو هذا القلق في محله، نظرا لطبيعة شخصية الرئيس الأمريكي التاجر، دونالد ترامب، وتصريحاته الأخيرة التي ذكر فيها أنه تحدث مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأن الأخير أنكر تماما معرفته بما حدث في مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول. كما توحي التصريحات السابقة التي أدلى بها ترامب حول احتمال وقوف "عناصر مارقة" خلف الجريمة دون علم القيادة؛ بأن الرئيس الأمريكي يحاول أن يبحث عن مخرج لإنقاذ ولي العهد السعودي وتبرئته، من خلال إيجاد "كبش فداء" ليتحمل المسؤولية، إلا أن حجم التفاعل مع القضية لن يسمح له بإغلاق الملف. كما أن الدول الأوروبية التي تعاني من غطرسة ترامب سوف تتابع قضية خاشقجي عن كثب؛ حتى لا يتم دفنها من قبل الرئيس الأمريكي أو غيره.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع