نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للكاتب والمعلق السياسي هاري ليزلي سميث حول قضية اللاجئين المثارة في الفضاء الأوروبي والأمريكي هذه الأيام.
وقال ليزلي في المقال الذي ترجمته "عربي21" إنه بينما يندفع نصف الكرة الأرضية الشمالية نحو الصيف، قطع شعوري بالهدوء صوت آلام اللاجئين في مختلف أنحاء العالم، والذين حرموا من حقهم في الحياة دون حرب أو فقر. وقد يكون عمري المتقدم وكوني سأموت قريبا هو الذي يجعلني أغضب وأصر على عدم السكوت.
وأضاف: "ليس لدي استعداد أن أجلس وضميري مرتاح، بينما يتحول العالم الذي بناه جيلي إلى عالم متوحش بأيدي الشعوبيين اليمينيين والرأسماليين غير المبالين. فقد مات الكثير من الناس وفقدت الكثير من الأرواح أو طحنت بسبب الركود الاقتصادي العظيم والحرب العالمية الثانية كي أسمح لنفسي بقبول الفاشية التي يقوم دونالد ترامب ببنائها مع الديماغوجيين في أوروبا وآسيا".
شاهد: أمريكا تعزل الأطفال عن ذويهم وتضعهم في أقفاص حديدية
ويقول: "أنا شخص مسنٌ جدا، وعايشت التاريخ الكارثي للقرن العشرين ولا أخشى أن أخبر الأجيال الصغيرة ما شهدته وعشته في شبابي. وأريد أن تكون ذكرياتي شهادة على ما يجب ألا يتكرر ثانية، وخاصة فيما يتعلق بأولئك الذين يفرون من بلادهم بسبب الحرب أو القمع".
وتابع: "مع أنني أشرفت على المائة عام، سافرت قبل يومين لأتاوا لأنني أعتقد أن كندا أظهرت قيادة في شأن أزمة اللاجئين. أتيت لأقابل السكرتير الرئيس لجاستين ترودو، جيرالد بطس لأنني أردت أن أوضح لماذا وقد وصل عمري 95 عاما جعلت أزمة اللاجئين آخر موقف لي".
وقال: "في هذا اللقاء تم سؤالي كيف بدأت رحلتي التي أخذتني باتجاه الدفاع عن اللاجئين؛ فقلت إنها بدأت في يوم من الأيام قرب الغروب في نهاية شهر نيسان/ إبريل عام 1945 عندما قامت وحدتي في قوات الطيران الملكية بإنشاء معسكر بالقرب من الحدود الألمانية الهولندية".
اقرأ أيضا: ترامب يتراجع عن قرار فصل الأطفال المهاجرين عن أهاليهم
وتابع: "من بعيد سمعت صوت مدافع يشبه الرعد الذي كنت أسمعة يضرب جبال المورز القريبة من المدينة التي كنت أعيش فيها في هاليفاكس. وكان هناك تصادم بين الطبيعة الجميلة للربيع وبقايا الحرب المحيطة بنا من سيارات عسكرية ألمانية محروقة وحصون ميته منتفخة بجانب الشوارع (..) اشتكت كل أوروبا من ألم الحرب والجوع والإصابات والخسائر والموت. كنا جيلا ينزف من الجنون الفاشي الذي قطّع أوصال القارة. ولكن الإنسانية لم تغادر جيلي وإن كانت الحرب سرقت براءتنا".
ويقول: "لذلك وفي تلك الليلة وعندما جاءت أعداد كبيرة من الأطفال اللاجئين إلى السياج الحدودي عندما اشتموا رائحة الحساء الذي كنا نطبخه، لم ندر ظهورنا لأولئك الأطفال كما يفعل الكثير من الشبعانين اليوم في أوروبا وأمريكا. قمنا بإطعامهم ولعبنا معهم ومنحناهم مكانا آمنا ليناموا حتى أتى الصليب الأحمر ونقلهم إلى مكان آمن".
ويضيف: "أنظر إلى تلك الأيام وأفكر كم كانت مختلفة الحياة حينها لأن كل ما كنا نريد هو أن نعيش ونكبر بكرامة تحت ظل حكومة ترعى الناس. ولو فكرت في الأمر، لوجدت أنه من رماد الحرب العالمية الثانية نشأت الأمم المتحدة وصدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبقي محترما لعقود. ولكن من حرب العراق ولد غضب داعش وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط".
ويتابع الكاتب: "في هذا العصر نعيش حالة عدم مساواة مقيتة وجهل. وتجوب الشعبوية والفاشية المسرح العالمي كفريق رياضة فائز يجوب مدينته لاستعراض فوزه. وأمريكا تحت حكم دونالد ترامب تسجن أطفال اللاجئين وتنسحب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وتستخدم مصطلحات تنزع الإنسانية على الأعراق الأخرى، وفعل هذا كان منذ ألمانيا النازية إلى رواندا نذير بالإبادة (..) في إيطاليا هناك ائتلاف حاكم، يشمل فصيلا يمينيا يجعل موسليني يفتخر، يمنع السفن من أن تجوب البحر الأبيض المتوسط لإنقاذ اللاجئين الذين غادروا أفريقيا في قوارب لا تصلح للاستخدام في نهر صغير، هؤلاء الرجال والنساء والأطفال يغادرون لأن بقاءهم يعني الموت المحقق أو الاغتصاب المتكرر دون نهاية أو الأوضاع الاقتصادية البائسة التي لا تفيد سوى الأثرياء.. والأسوأ من ذلك أن وزارة الداخلية تقوم بإنشاء قوائم كما فعل النازيون في الماضي ضد الغجر لإبعادهم من أراضيهم وجعلهم لاجئين أبديين. وأكثر ما يزعجني هو الناس الذين أواجههم كل يوم والذين توفر لهم الطعام والعمل ويتطلعون إلى إجازاتهم بلهفة ومع ذلك يحكمون على اللاجئين الذين عانوا من الحرمان ويصفونهم بأنهم نصابون فاسدون. فيقومون بحقدهم وعنصريتهم بدفن طموحات أناس عانوا على المستوى الشخصي نفس الرعب الذي عاناه الناس في معسكرات الموت النازية أو سجون ستالين. وهناك الآن حوالي 64 مليون مشرد في العالم؛ وهم إما يعيشون في مخيمات لجوء قذرة أو يفرون لإنقاذ حياتهم عبر تضاريس صعبة يبحثون عن ملاذ في الدول الغربية التي تهمل إشارات التحذير من الأزمة بنفس العناد الذي أهمل فيه سكان بومبي القديمة قرقرة بركان فيزوف".
وينتهي الكاتب إلى القول: "هذا هو السبب الذي يجعلني وعمري 95 عاما غير قادر على السكوت أكثر تجاه هذا التهديد لبقاء الإنسانية. وأقضي ما تبقى لي من وقت قصير على هذه الأرض مسافرا في أنحاء العالم لأزور معسكرات اللجوء وزعماء الدول والناس العاديين في محاولة لإنهاء هذا الجنون.. وقد أموت خلال أسفاري بسبب عمري المتقدم ولكنني لست قلقا على نهايتي، بل قلق على نهاية العالم الذي يعتقد أن لكل الناس الحق في السلام والرفاه وليس فقط لقليل من المخولين.. لا يمكن أن نسمح لدونالد ترامب أن يطفيء مشعل الحضارة، ولذلك على كل منا أن يساعد في إنهاء أزمة اللاجئين وما أطلب منكم هو أن ترسلوا الرسائل، والرسائل الإلكترونية والتغريدات لممثليكم في الحكومات لأنها خيط المصير الدقيق الذي يفصل بيننا وبينهم".
فريدمان: لماذا يحب ترامب المستبدين ويكره الديمقراطيين؟
فورين بوليسي: هل سيُخدع كيم مثل القذافي؟
واشنطن بوست: لا عجب إن تكررت جرائم بورما ضد الإنسانية