مقالات مختارة

إشكالية التفاهم والمواجهة بين الإسلام والغرب

1300x600

مؤتمرات كثيرة وندوات ولقاءات نُظمت تحت عنوان "حوار الحضارات" و"حوار الأديان"، ورغم المحاولات العديدة للتقارب والتفاهم والتدافع، ما زالت الهوة كبيرة بين الإسلام والغرب وآخرها خطاب رئيس جامعة أمريكية يدعو الطلاب لامتلاك السلاح للقضاء على المسلمين. فالمتطرفون لا يؤمنون إلا بالعنف وبإقصاء الآخر. بينما الكثير ينادي بالحوار والتفاهم والتسامح والتكامل.

كثر الكلام في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، عن الإسلام والغرب، وما هو المطلوب والواجب عمله، الحوار أم المواجهة؟ فريق يرى أن الحوار لا جدوى من ورائه، خاصة أن العلاقة بين الغرب والشرق - بلاد الإسلام - ليست متكافئة في جميع الميادين-العسكرية، الاقتصادية، التقنية ...الخ، فلا فائدة من الحوار، خاصة أن الغرب بقوته وهيمنته على الصناعات الثقافية والإعلامية مستمر في حملاته الدعائية والصور النمطية وحملات التشويه والتضليل ضد الإسلام والمسلمين والعرب. فأحداث 11 سبتمبر 2001 ومن بعدها الحرب على الإرهاب شكلتا أرضا خصبة للتحريض ضد العرب والمسلمين بدعوى أن الإرهاب والصراع والصدام والقتل والعنف من صلب الإسلام الذي لا يعترف بالحوار والتفاهم والتعايش. وفريق آخر يصر على الحوار وعلى ضرورته ويرى أن عدم الحوار يعني الهروب من الواقع وإعطاء الفرصة للمتربصين بالإسلام وأعداء الدين الحنيف ليفعلوا ما يشاءون بقيمه المثلى وتعاليمه الإنسانية. عدم الحوار هو التنصل من مسؤولية كبيرة جدا، وهي شرح وتفسير الإسلام والدفاع عنه وتقديمه على حقيقته للآخر.

وإذا سلمنا بالحوار، هل الدول الإسلامية والمسلمون والمؤسسات الإعلامية والثقافية في بلاد العرب والمسلمين قادرة على القيام بدورها ومسؤوليتها وفتح قنوات حوار وتواصل مع الآخر حتى يعرف حقيقة الإسلام؟ هل هي مؤهلة ولها القدرات والإمكانيات والوسائل واللغة والأسلوب والطريقة للوصول إلى الآخر؟ الواقع يشير إلى ضعف كبير في الوسائل والإمكانيات والمناهج والطرائق...الخ.

فالمؤسسات الدينية كالأزهر الشريف بحاجة إلى تطوير ومسايرة القرن الحادي والعشرين ومسايرة مجتمع ثورة المعلومات والإنترنت والمجتمع الرقمي وما إلى ذلك. فالفقهاء وعلماء الدين والشريعة إذا أرادوا الوصول إلى الآخر وإذا أرادوا فهم وشرح وتفسير الدين الإسلامي بمنطق العصر والألفية الثالثة، عليهم إتقان لغة الآخر وعلوم العصر حتى يجادلوا الآخر ويقدموا له الإسلام بلغته ومنطقه وبمنطق العلوم والمعارف. فالجميع يلاحظ هذه الأيام، وخاصة بعد أحداث سبتمبر 2001، التشويه والحملات الدعائية المنظمة ضد الإسلام والمسلمين والعرب، وهذا الوضع يحتاج إلى عمل منهجي ومنظم من قبل المسلمين للرد بالبيِّنة والحجة والبرهان والمنطق باللغات العالمية. تجديد الخطاب الإسلامي مسؤولية الجميع، خاصة أهل العلم والفقه والتفسير والاجتهاد الذين هم بحاجة إلى التحكم في فنيات الإقناع والحوار ومخاطبة الآخر من خلال تقنيات تعتمد على شبكات التواصل الاجتماعي ومنصات التواصل المختلفة وفنيات العرض والجرافيك المتطورة التي تخاطب العقل مباشرة وتؤثر فيه. الدعاة بحاجة إلى التحكم في فن الخطابة والإلقاء وكيفية التعامل مع المفاهيم الدينية والعقائد بشكل جديد في أسلوب طرحها وتقديمها للآخر، وكذلك القدرة على تفنيد الأساطير والحملات الدعائية والشبهات والتضليل والتشويه بطريقة يفهمها العقل الغربي. 

الإشكالية الأخرى التي تُطرح في موضوع الإسلام والغرب وضرورة الحوار والتعايش هي التجمعات الإسلامية -جمعيات، مراكز، أندية- الموجودة في الغرب وإلى أي مدى استفاد منها المسلمون لخدمة الإسلام وشرحه وتفسيره وتقديمه للآخر. ما هي آليات عمل هذه التجمعات؟ ماذا عن التنسيق فيما بينها وما هو دورها في خدمة الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية في بلاد الغرب؟ لم ترق هذه التجمعات إلى المستوى المطلوب من حيث التنسيق والمتابعة والتنفيذ فيما بينها في بلاد المهجر وفيما بينها والمؤسسات الدينية في المجتمعات الإسلامية. وبدون تعميم، نجد أن معظم هذه التجمعات تنقصها الوسائل والإمكانيات الضرورية لمحاورة الآخر والتعايش مع الآخر، ومسيّسة تخدم جهات محددة وأيديولوجيات قد تناقض قيم الإسلام. التجمعات الإسلامية في الغرب عبارة عن جزر معزولة، فهي لا تعاني من العزلة فقط، وإنما تعاني من التهميش وعدم التنسيق مع مؤسسات دينية أخرى كذلك-المجامع الدينية، الأزهر الشريف والجامعات الإسلامية الكبرى المنتشرة في الدول العربية والإسلامية- هذه المؤسسات التي تستطيع تزويدها بالكثير من الوسائل والإمكانيات لتأدية رسالتها بطريقة حضارية ومنهجية وعلمية.

الإشكال الآخر المطروح على مستوى الحوار مع الغرب يتمثل في الالتباس في موضوع الحوار نفسه. وهنا يجب الاقتناع بأن الطريق الصحيح لبناء علاقة إيجابية مع الآخر، بعيدا عن الصور النمطية  والأفكار المسبقة، هو الحوار. أما من يرى أن الحوار مع الآخر لا فائدة منه انطلاقا، من مبدأ أن الآخر لا يقبل الحوار ولا يريد الحوار، فهذا المنطق خطأ ولا جدوى من ورائه، وهنا يجب أن نقر أن التقصير فينا وليس في الآخر، فالرسول صلى الله عليه وسلم خاطب كفار قريش وهو في حالة الضعف ولا حول ولا قوة له. كما استطاع أن يبّلغ الرسالة لشعوب عديدة كانت تتفوق عليه في المال والجاه.

فإذا كانت القضية صحيحة ومبنية على الحق والمنطق فباستطاعة الأمة الإسلامية أن تحاور الآخر وتفند الأساطير والأكاذيب وتقدم الحقيقة للعالم، لكن بشرط أن تُقدم هذه الحقيقة ببساطة ووضوح ومنهج وطريقة تقوم على العلم والمنطق ولغة العصر وأساليب المجتمع الرقمي. فالتعامل مع الغرب يجب أن يتم وفق عقلية يفهمها الغرب، أي ضرورة تطوير الخطاب الإسلامي وضرورة تطوير طرق وأساليب الدعوة الإسلامية ومحاورة الآخر بالتي هي أحسن. العالم الإسلامي بحاجة إلى استراتيجية إعلامية محكمة وإلى عشرات، بل المئات من الفضائيات الموجهة للآخر، كما أنه بحاجة إلى مئات الأفلام والبرامج والمنتجات الثقافية والإعلامية تقدم البديل للآخر وتبصره بالحقيقة الكاملة وتفند الأساطير والأكاذيب من أجل بناء جسور وقنوات الاتصال والتواصل والحوار مع الآخر بهدف التفاهم والتعايش والتكامل وليس التصادم والصراع والاستئصال.

الشرق القطرية