في خطوة قد تشكل منعرجا آخر للأزمة السياسية والاقتصادية الليبية، انتخب مجلس النواب، في جلسته أمس الثلاثاء بمدينة
طبرق، محمد الشكري محافظا جديدا لمصرف
ليبيا المركزي بـ54 صوتا، من إجمالي 107 ناواب حضروا الجلسة.
هذا الانتخاب الذي طال إحدى
المناصب السيادية في الدولة، أثار ردود فعل رافضة وجدل واسع في الساحة السياسية، بين الفرقاء والمتصارعين في شرق البلاد وغربها، كونه يتعلق بمنصب قيادي لا يجوز المساس به إلا من خلال الرجوع للاتفاق السياسي الليبي.
تحدٍ وتطاول
ورأى مراقبون، أن قرار مجلس النواب بانتخاب محافظا للمصرف المركزي يشكل تحديا واضحا وتطاولا صارخا يمس الاتفاق السياسي، وربما يكون امتدادا لإعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر عن انتهاء صلاحية الاتفاق السياسي الليبي مع بلوغ يوم "17 ديسمبر" 2017، وفقدان كل الأجسام المنبثقة عنه بصورة تلقائية شرعيتها، حسب قوله.
وشدد حفتر، في كلمته المصورة الأحد الماضي بمناسبة الذكرى الثانية من توقيع اتفاق الصخيرات، على رفضه القاطع لخضوع "الجيش الوطني" التابع له، إلى أي جهة مهما كان مصدر شريعتها ما لم تكن منتخبة من الشعب الليبي، محذرا من دخول البلاد في مرحلة خطيرة بعد يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر الحالي.
المادة 15
وتنص المادة 15 من الاتفاق السياسي الليبي الموقع في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2015 بمدينة الصخيرات المغربية، على أن يقوم مجلس النواب بالتشاور مع المجلس الأعلى للدولة، بهدف الوصول لتوافق حول شاغلي المناصب القيادية للوظائف السيادية المتمثلة في محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا، والنائب العام.
وذكرت الفقرة الثانية من المادة 15 في الاتفاق السياسي، أنه يتطلب تنفيذ تعيين وإعفاء شاغلي المناصب القيادية للوظائف السيادية المبينة في الفقرة السابقة موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب.
الكبير يرفض
وفي ردود فعل رافضة لهذا الإجراء من مجلس النواب، أعلن مصرف ليبيا المركزي بطرابلس برئاسة الصديق الكبير، في بيانه أمس الثلاثاء، انتخاب مجلس النواب لمحافظ جديد للمصرف المركزي.
وأكد المصرف، تمسكه بمقتضيات الاتفاق السياسي الذي أصبح بالإرادة الوطنية والاعتراف الدولي المرجعية الأساسية والوحيدة للسلطات وما يصدر عنها من قرارات وتصرفات، وهو ما خالقه تماما مجلس النواب في قراره.
وقال المصرف: "إن موقفه ليس تمسكا بوظيفة ولا دفاعا عن موقع، لكنه التزام واجب باحترام وتطبيق الوثيقة المرجعية الأساسية والوحيدة التي تنظم إدارة الدولة وأداء مؤسساتها في هذه المرحلة الحساسة، ونأيا بالمصرف المركزي المؤسسة الوطنية الأساسية عن الصراعات والاستقطاب والتجاذبات".
تصرفات فردية
من جهة أخرى، رفض رئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي، انتخاب مجلس النواب لمحافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي، واصفا إياه بـ"التصرفات الفردية".
وشدد السويحلي، في تغريدة له على حسابه في "تويتر" الثلاثاء، على أن المجلس الأعلى يتعامل مع مجلس النواب كمؤسسة تستمد شرعيتها من الاتفاق السياسي فقط وتلتزم بنصوصه، وأنه لا شرعية لما يتناقض مع ذلك، حسب قوله.
الكبير باقٍ بمنصبه
وأكد عبد الرحمن السويحلي، أنّ محافظ المصرف المركزي الحالي الصديق الكبير سيبقى في منصبه إلى حين البث في المناصب السيادية، حسب ما جاء في المادة 15 من الاتفاق السياسي الليبي.
ودعا رئيس المجلس الأعلى للدولة الذي يتخذ من العاصمة مقرا له، كافة الأطراف إلى الكف عن العبث بمصير الوطن، على حد تعبيره.
ويشهد مصرف ليبيا المركزي منذ نهاية عام 2014 انقساما في مجلس إداراته بين الصديق الكبير الذي يترأس مجلس إدارة المصرف بطرابلس، وعلي الحبري الذي يتولى منصب محافظ المصرف المركزي بمدينة البيضاء.
وفي منتصف كانون الأول/ سبتمبر 2014، أقال مجلس النواب محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، وقرر إحالَتَه على النائب العام للتحقيق، وذلك بموجب قرار أصدره بواقع 96 صوتا من أصل 102 حضروا الجلسة آنذاك.
موقف البعثة الأممية
وفي رد أممي على انتخاب مجلس النواب لمحافظ جديد للمصرف المركزي، أكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أن المادة 15 من الاتفاق السياسي الساري المفعول تفرض التشاور المسبق بين مجلسي النواب والأعلى للدولة قبل اختيار أي منصب سيادي.
وقالت البعثة على صفحتها الرسمية في "فيسبوك"، الأربعاء: "تأخذ بعثة الأمم المتحدة علما باختيار محمد شكري حاكما لمصرف ليبيا المركزي، ويهم البعثة التذكير مجددا بالمادة 15 من الاتفاق السياسي الليبي الساري المفعول التي تفترض تشاورا مسبقا بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة قبل اختيار أي كان لمنصب سيادي".
وأكدت البعثة الأممية في ليبيا، أن كل ما يهمها هو التأكيد على أن توحيد المؤسسات هو الهدف الأسمى الذي ينبغي لليبيين السعي إليه في هذه المرحلة، لاسيما من خلال تجنب اتخاذ قرارات أحادية الجانب، على حد قولها.
الحبري يرحب بالشكري
وكما كان متوقعا، رحب مصرف ليبيا المركزي بالبيضاء برئاسة علي الحبري، بتعيين محمد الشكري محافظا "توافقيا" جديدا للمصرف المركزي.
واعتبر المصرف في بيانه، الثلاثاء، هذه الخطوة بأنها "حجر الأساس واللبنة الأولى نحو توحيد المصرف المركزي ليعود إلى مساره الحقيقي مصرفا جامعا وموحدا لكل الليبيين، بعيدا كل البعد عن التوجهات الحزبية والسياسية الضيقة وسياسة حكم الفرد".
وقال المصرف: "الوطن أكبر منا جميعا.. وإذا ما جرى الاستمرار على طريق ونهج المكابرة والتعنت وسياسة الأمر الواقع فلن تزيد البلاد إلا تشظيا وتقسيما، وأن الوطني الشجاع هو من ينحاز لخيارات الشعب والشرعية حتى وإن كانت لا تتوافق مع توجهاته السياسية والحزبية، لأن الوطن لا يحتمل مزيدا من التعقيدات ومناكفات الضيقة"، وفق نص البيان.
وأكد المصرف المركزي بالبيضاء، أنه سيكون يدا داعمة للمحافظ الجديد محمد الشكري ليشق طريقه نحو توحيد المؤسسة النقدية ووضع الحلول المناسبة للأزمات المالية التي عصفت بالوطن وأثرت على المواطن في قوته وحياته اليومية، بحسب ما ذكر البيان.
هذه الخطوة من مجلس النواب قد تلقي بظلالها على المواطن الليبي وتزيد من معاناته التي يعيشها منذ قرابة ثلاث سنوات، في الوقت الذي كان يأمل من سلطاته التشريعية المنقسمة شرقا وغربا إلى إيجاد حل للأزمة الاقتصادية في البلاد بحلول العام الجديد.