اتفق محللون سياسيون فلسطينيون على أن إسرائيل تتبنّى سياسة جديدة في مواجهة الهبّة الشعبية الحالية في الأراضي الفلسطينية، حيث توقّعوا، أن تستمر في تلك السياسة "التكتيكة" خلال الأيام القادمة.
وأجمع محللون على أن سياسية إسرائيل، قائمة على الابتعاد عن استخدام "العنف المُفرط"، الذي يؤدي إلى سقوط ضحايا في صفوف المحتجّين.
ويلجأ الجيش الإسرائيلي لتلك السياسة "التكتيكية"، وفق المحللين، في محاولة منه لامتصاص حالة الغضب خاصة في الضفة الغربية (بما فيها مدينة القدس)، لمنع تصاعد الاحتجاجات، وإخمادها، وفي مسعى لتجميل صورته أمام العالم.
وتسعى إسرائيل، بذلك "التكتيك"، بحسب المحللين، إلى تثبيت المكاسب السياسية التي تحققت خلال الفترة الماضية لصالحها، بعد القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، نظرا لأن التصعيد العسكري وتوسيع رقعة المواجهات سيفشلان المساعي السياسية، وسيحمّلان الولايات المتحدّة الأمريكية المسؤولية تجاه اندلاعهما.
وتوقّع المحللون، أن تستمر إسرائيل في تلك السياسة "التكتيكية" خلال الأيام القادمة.
لكنّ ذلك يبقى مرهونا بتطور الأحداث نظرا لأن حركة الجماهير والشارع الفلسطيني يصعب التنبّؤ بها، كما قالوا.
وكان الجيش الإسرائيلي يستخدم القوة المفرطة، خلال تصدّيه للهبّات الشعبية التي كان الشارع الفلسطيني يقودها، احتجاجاً على سياساته ضد المسجد الأقصى ومدينة القدس، الأمر الذي كان يسفر عن سقوط عشرات الشهداء، ومئات الجرحى، في الأيام الأولى للاحتجاجات.
لكن هذه المرة، بدا واضحاً أن إسرائيل تحاول أن تُبعد نفسها عن إحداث إصابات قاتلة، في صفوف المحتجّين الفلسطينيين؛ لعدم تجديد ثورتهم.
وعقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء الماضي، اعتراف بلاده رسميًا بالقدس (بشقيها الشرقي والغربي) عاصمة لإسرائيل، شهدت الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية (بما فيها القدس) وقطاع غزة، تظاهرات واحتجاجات واسعة، رفضاً للقرار.
إلا أن الاحتجاجات، تراجعت خلال اليومين السابقيْن.
ويقول جهاد حرب، الكاتب والمحلل السياسي، إن السياسة التي اتبعتها الحكومة الإسرائيلية للتصدّي للهبّة الشعبية الأخيرة، قائمة على التخفيف قدر المستطاع من إحداث الإصابات القاتلة بين صفوف المتظاهرين، خصوصا في القدس.
أما في مدينة القدس، فقد كانت هناك محاولة من الشرطة الإسرائيلية للنأي بنفسها بعيدا عن الاشتباكات مع المتظاهرين، وإن حصل فهي تحاول ألا تكون بحجم كبير وعنيف، وفق حرب.
وقال مراقبون، إن الشرطة الإسرائيلية ابتعدت هذه المرة عن استخدام الغاز المسيل للدموع في القدس، واكتفت بمواجهة التظاهرات برفق الخيالة.
وقال حرب: "في الأيام الأولى كان واضحا أن هناك تعليمات بعدم استخدام الغاز والأسلحة والأدوات في مدينة القدس".
وتحاول إسرائيل امتصاص حالة الغضب الفلسطيني، وفق حرب، للدفع بالهبة الشعبية نحو التآكل والخمود.
وفي الوقت الذي تتجه فيه أنظار المجتمع الدولي إلى الأراضي الفلسطينية لمتابعة الأحداث التي اندلعت عقب الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، تحاول إسرائيل الظهور بمظهر الدولة "غير العنيفة" (لا تستخدم القوة لقمع الاحتجاجات).
ويتوقع حرب أن تستمر إسرائيل في تكتيكها "غير المفرط في العنف" لمواجهة الهبّة الشعبية والتصدّي للمحتجّين.
إلا أن حركة الشارع الفلسطيني، لا يمكن التنبؤ بها، فقد يلجأ الجيش الإسرائيلي لاستخدام القوة ضد المحتجّين، الأمر الذي يؤدي بالأحداث إلى الاشتعال، بحسب حرب.
ويلفت حرب إلى أن مستقبل الهبّة الشعبية وإمكانية استمراريتها مرتبطة بعدة عوامل أبرزها "وجود برنامج نضالي وطني (مشترك) يوضح طبيعة المقاومة، وأماكنها".
إلا أن غياب هذا البرنامج يهدد استمرارية الهبّة، كما يقول.
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم حبيب، أستاذ الأمن القومي في أكاديمية "الإدارة والسياسة" بغزة، أن إسرائيل في سياستها الحالية بالتعامل مع الهبّة الشعبية، استخلصت العبر من المواجهات السابقة.
ويوضح حبيب أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تدرك مخاطر الأمر والموقف الحالي، وتتعامل بروية وردة فعل محدودة في الإجراءات القمعية للمحتجّين، في محاولة لإجهاض أي هبّة شعبية متوقعة".
ورصد حبيب، خلال الأيام الأربعة السابقة من بداية الهبّة الشعبية، عدم وجود مواجهات واسعة النطاق في الأراضي الفلسطينية، إلى جانب استخدام قوة "محدودة" من الجانب الإسرائيلي للتصدّي لها.
ولفت إلى أن إسرائيل استفادت من الإضراب، الذي عمّ المؤسسات الحكومية خاصة المدارس، في الأراضي الفلسطينية، بعد يوم من الإعلان الأمريكي للقرار ضد القدس.
وقال إن ذلك أدى إلى تضييق رقعة "المواجهات بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية"، مشيرا إلى "جود حالة من التنسيق بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية أدت إلى إخماد هذه الهبّة".
ويرى أن "المواجهات انحصرت غالبيتها في محيط مدينة القدس وقراها، التي لا تتبع للسلطة الفلسطينية".
وفي قطاع غزة، يرى حبيب أن إسرائيل حاولت احتواء الموقف، وعدم تصعيد الأمور، خاصة بعد إطلاق فصائل تابعة للمقاومة الفلسطينية، رشقات من القذائف الصاروخية.
وأضاف:" رغم ذلك، فإن إسرائيل لم تحرّك كل قوتها، بخلاف ما كان يحدث سابقاً، إنما حاولت هذه المرة استيعاب واحتواء الموقف حتى لا تتدحرج الأمور لمواجهة".
وباحتوائها للموقف في الضفة الغربية (بما فيها القدس) وقطاع غزة، تحاول إسرائيل، بحسب حبيب، اجتياز المرحلة الحالية بنجاح، والتي حققت خلالها مكاسب سياسية؛ فإعلان أمريكا للقدس عاصمة لها.
ويتوقع الخبير في شؤون الأمن القومي أن تستمر إسرائيل في سياستها التكتيكية، حتى تثبّت مكاسبها السياسية.
ويستبعد حبيب عودة الجيش الإسرائيلي لاستخدام العنف المفرط في هذه المرحلة، كي لا تفشل المكاسب السياسية الإسرائيلية أولا.
واتفق حمزة أبو شنب، الكاتب والمحلل السياسي، مع سابقيه، حيث قال:" الجيش الإسرائيلي يلجأ إلى امتصاص حالة الغضب، وتجنب تصاعد الأمور مع المحتجّين ضد القرار الأمريكي".
ولفت إلى أن الحكومة الإسرائيلية كانت توصي، خلال الأعوام السابقة، بعدم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، خشية "تصاعد الأمور لانتفاضة جديدة".
وأشار إلى أن إسرائيل شنّت، خلال أكثر من أسبوعين (قبيل إعلان ترامب قراره)، حملات، اعتقلت خلالها معظم النشطاء الذين يمكن أن يكون لهم دور فاعل في أي أحداث متوقعة.
هل تتسبب القدس بقطع علاقات تركيا ودول أخرى بإسرائيل؟
الصدر للسعودية: العار لكم إن لم توجهوا "التحالف" نحو القدس
مواجهات في الضفة وغزة بعد مظاهرات غضب للقدس (شاهد)