قضايا وآراء

هوامش حول تداعيات اغتيال مازن فقها

1300x600
قطعت وزارة الداخلية في غزة من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته حول جريمة اغتيال الأسير المحرر مازن فقها قطعت دابر الإشاعات والجدل الذي عصف بالقطاع طوال الأسابيع الماضية. أهمية المؤتمر الصحفي لا ترتبط فقط بالاعترافات المصورة التي عُرضت للمتهمين، بل بإعطاء إجابات جازمة وواضحة للكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام التي طرحت، وبرأت صفحة عوائل طالتها الشبهات،منذ اغتيال الشهيد فقها قبل قرابة شهرين. 

لابد من الإقرار بأن ما حققته الأجهزة الأمنية في غزة وحركة حماس يعد إنجازاً أمنياً نوعياً غير مسبوق. فهي المرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي التي يتم فيها اعتقال المنفذين المباشرين لجريمة ترتكبها إسرائيل.الإنجاز الفلسطيني شكل في المقابل انتكاسة للاحتلال الإسرائيلي، وضربة معنوية موجعة للتفوق الأمني والاستخباراتي الذي طالما فاخرت به إسرائيل.

النجاح الكبير الذي تحقق، لا يمنع من الحديث عن أخطاء وهفوات رافقت تداعيات اغتيال الشهيد مازن فقها. فقطاع غزة المحاصر غرق طوال الأسابيع الماضية بسيل كبير من الإشاعات والأقاويل والتسريبات تبين عدم صحة معظمها. لم يؤثر في هذه الإشاعات الأمر الذي أصدره النائب العام في غزة إسماعيل جبر بحظر نشر أي تفاصيل تتعلق باغتيال مازن فقها. فتنافست المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي وبعض شاشات التلفزة في نشر معلومات حول آخر ما توصلت إليه التحقيقات، ووصل الأمر حد توجيه أصابع اتهام بعضها كان صائباً وكثير منها كان خاطئاً.

هذا الواقع -وفي ظل غياب أي موقف رسمي واضح-، تسبب بحالة من التخبط في النسيج المجتمعي في غزة، لاسيما لدى ذوي من وجهت إليهم الاتهامات، مما دفع بعائلة أحد من تناقلت الإشاعات اسمهم حد إعلانها التبرؤ من ابنهم رغم عدم صدور أي إعلان أو اتهام أو إدانة. 

سبق المؤتمر الصحفي الذي عقدته وزارة الداخلية، مؤتمر صحفي عقده رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية أمام منزل الشهيد مازن فقها أعلن فيه إلقاء القبض على المنفذين المباشرين لجريمة الاغتيال. هنا من المناسب التذكير بأن هنية لم يعد رئيس الحكومة الفلسطينية في غزة، ولا هو مسؤول حركة حماس في القطاع، إنما هو قائد إحدى أكبر حركات المقاومة في العصر الحديث.

فهنية اليوم، يختلف عن هنية قبل أسابيع، وعليه فإن مواقفه وإطلالاته الإعلامية يجب أن تكون مدروسة ومحكمة ومخصصة لتقديم رؤية الحركة أو مواقف مفصلية، ولعلّه كان من الأنسب لو تولى قائد حماس في غزة يحيى السنوار مهمة عقد المؤتمر الصحفي بدلاً عن هنية.

إضافة لذلك، أدى إعلان قائد حماس القبض على المنفذين، ووعده بإنزال القصاص العادل بهم، ثم بعدها إحالته نشر التفاصيل للمؤتمر الصحفي الذي عقدته وزارة الداخلية، أدى لإشكالية–على الأقل في الإعلام- تتعلق بازدواجية السلطة التي تمسك بملف اغتيال الشهيد مازن فقها، والسلطة التي تمسك بأمن القطاع. فإما أن يتم التعامل مع القضية كأمر يخص حماس على اعتبار أن الشهيد هو أحد قيادييها وهو أمر منطقي ومبرر، وإما أن تكون من اختصاص وزارة الداخلية والقضاء الفلسطيني وكان هذا أفضل. لكن أن يتشارك الطرفان المسؤولية فهذا أمر لم يكن محموداً، رغم إدراك العالم الترابط الوثيق بين الطرفين.

عود على بدء، يشكل إلقاء القبض على المنفذين لجريمة اغتيال مازن فقها إنجازاً أمنياً نوعياً يحق لحركة حماس وللأجهزة الأمنية في قطاع غزة أن يفخروا به أمام العالم، وهو إنجاز سيدفع إسرائيل للتفكير مراراً إذا ما أرادت تنفيذ جريمة أخرى. لكن هذا النجاح الأمني يجب الحرص على أن لا تنتقص من أهميته زلات إعلامية وهفوات شكلية بسيطة.