ثارت شهادات ضحايا التعذيب في عهد بن علي في مؤتمر هيئة الحقيقة والكرامة المنعقد منذ يوم أمس الخميس مشاعر التونسيين بسبب قسوتها وصراحتها عن توصيف الفترة الماضية.
وعلى الجهة الأخرى، أثار خطاب التسامح الذي ساد أجواء المؤتمر أسئلة حول مصير مقترفي جرائم التعذيب والإخفاء القسري والقتل طوال سنوات حكم بن علي، وكيفية محاسبة مرتكبيها لإحقاق العدالة.
وقالت مصادر لـ "عربي21" إن الرئاسات الثلاث، رئيس البلاد القائد السبسي، ورئيس الوزراء يوسف الشاهد، ورئيس البرلمان محمد الناصر، لها دلالة رمزية بسبب انتماء الرؤساء الثلاثة للعهد البائد.
الدعوة لعدم معاقبة المجرمين
من جهته، قال المحامي صالح مطيراوي، وهو رجل قانون وسياسي وسجين سابق بعهد
بن علي في حديث مع "
عربي21"، إن جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم، بل هي عبارة عن حساب مفتوح.
واستدرك مطيراوي قائلا: "لكن من المهم القول إن غالبية مرتكبي الجرائم أفلتوا من العقاب خلال السنوات الماضية، ومن الصعب أن يتم محاكمتهم مستقبلا".
وأضاف أيضا: "كما أن الانتهاكات طالت كل بيت من التونسيين، فإنه في الطرف الآخر، كان مرتكبو هذه الانتهاكات من غالبية بيوت التونسيين أيضا".
وقال: "إن عملية محاسبتهم جميعا قد تدخل البلاد في فوضى، وتتيح العصابات للتضامن مع بعضها البعض، وسيتم إدخال البلاد في دوامة جديدة من العنف".
وكانت وسائل الإعلام التونسية والغربية بثت جلسات الحديث عن الانتهاكات على الهواء مباشرة، وكان لافتا مشاركة وسائل الإعلام المحسوبة على النظام الحاكم، الذي يمتد لنظام بن علي، في خطوة اعتبرها المراقبون جيدة.
وقال المطيراوي الذي قضى ثلاث سنوات ونصف في سجون بن علي: "هذا معقول ومرض، حيث شكل المؤتمر حالة عامة للحديث عنها من قبل التونسيين جميعا، وهو ما زاد من وعيهم بشكل كبير".
وتوقع المحامي بأن لا يُصار إلى العقاب، وطالب فقط بسرد الحقيقة وبعدم عودة الحقبة السابقة من الانتهاكات مستقبلا بأي شكل من الأشكال.
وحول موقفه الشخصي كسجين سياسي سابق، قال المطيراوي: "أنا أدعو أيضا إلى عدم المعاقبة، وإنه من العبث الدعوة لذلك الآن".
لماذا التونسي عذب التونسي؟
من جهته، قال عادل الماجري المحامي والناشط الحقوقي
التونسي في جنيف في حديث مع "
عربي21"، إن ما يحصل هو مسار كامل من العدالة الانتقالية، وهيئة الحقيقة والكرامة جزء مهم منه.
وأضاف الماجري أن هذه اللجنة على مدار 5 سنوات جمعت أكثر من 65 ألف ملف انتهاك منذ عهد بورقيبة إلى بن علي، أي منذ عام 1955 وحتى عام 2013.
وقال الماجري إن شهادات ضحايا التعذيب والنظام السابق مهمة جدا، ومن الأهمية بمكان الاستماع لما حصل معها.
كما طالب أيضا بإحضار المجرمين الذين مارسوا أعمال التعذيب، ووضعهم على المنصة وقال: "يجب علينا أن نفهم لماذا قام التونسي بتعذيب التونسي؟ هناك أسئلة يجب عليهم أن يجيبوا عنها لنا كشعب".
ووصف الماجري المؤتمر بالحدث "التاريخي" التونسي، وبأنه أحد أهم مطالب الثورة التونسية الذي يتحقق اليوم، وذلك من خلال "الاستماع لهذا الكم الهائل من الشهادات التي ستساعد على المعالجة النفسية لهم"، كما طالب الضحايا بالذهاب للحديث بشكل علني عما حصل معهم.
وهيئة الحقيقة والكرامة هي هيئة مستقلة، شكلت بقرار حكومي تونسي وأدت يمينها الدستوري أمام الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي عام 2014، ومهمتها الرئيسية الإشراف على مسار العدالة الانتقالية في إطار الانتقال الديمقراطي التونسي، حيث تتولى الهيئة كشف الحقيقة عن مختلف الانتهاكات ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها في عهدي بورقيبة وبن علي.