تزداد يوما بعد يوم الفجوة بين الرياض والقاهرة، بعد علاقة وطيدة سياسيا واقتصاديا بعد الانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب في
مصر، محمد مرسي، قاده وزير دفاعه آنذاك، عبد الفتاح
السيسي.
وكانت السعودية إلى جانب دول خليجية أخرى في مقدمة الدول التي وقفت إلى جانب مصر سياسيا واقتصاديا بدعم مالي ونفطي كبيرين، رغم سلسلة المواقف المصرية التي خالفت سياسية المملكة والتسريبات التي ثبت فيها إساءة رأس السلطة في مصر للمملكة وأشقائها من دول الخليج.
ويشي استمرار العلاقة بين القاهرة والرياض، رغم "الإساءات" المتكررة من الجانب المصري، بأن المملكة لا تستطيع فض العلاقة بمصر لاعتبارات داخلية وخارجية.
الباحث في التاريخ الحديث، الدكتور بشير نافع، قال لـ"عربي21" إن السعوديين غير سعداء بما آلت إليه العلاقة مع مصر، والمصريون من جانبهم بدؤوا يضعون في حساباتهم أن أموال الخليج لمصر بدأت تجف وأن الدعم القديم لن يتجدد.
لكن تمسك السعودية بالعلاقة مع مصر تنبع بحسب نافع من أن السعودية لا تريد أن تضاف مصر إلى قائمة الدول المنهارة كاليمن وسوريا والعراق، بسبب ثقلها الإقليمي، لكن دون دعم اقتصادي كالسابق.
وأشار إلى أن السعودية لم تعد مستعدة لتقديم الدعم ذاته لمصر، لكنها وإلى جانبها دول الخليج خصوصا الإمارات والكويت، لا تريد للنظام المصري أن ينهار، وما زالت تؤمن أن "الدولة المصرية البيروقراطية بشقيها المدني والعسكري" ما زلت ملتفة حول "النظام" الذي يرأسه السيسي.
ويرى نافع، أن دول الخليج تؤمن أن نظام السيسي يمكنه أن يعبر عنق الزجاجة، لكنها تفضل في الوقت نفسه تغييرا داخليا دون أي تحول جوهري.
وعن المحاولات المصرية لتعويض نقص الدعم الخليجي، قال الباحث في التاريخ الحديث إنها لن تستطيع تعويض الانقطاع الخليجي في الدعم، وآخرها النفط السعودي، لكنها تبقى في إطار البحث عن مصادر بديلة وإن كانت غير كافية.
في وقت سابق نقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية عن مصادر قالت إنها "رئاسية"، أن الإمارات تقود وساطة لفك جمود العلاقات بين البلدين بعدما فشل مستشار الملك سلمان، سعود بن عبد الله، في إصلاح الأمور بحسب الصحيفة.
وكانت وسائل إعلام عدة كشفت عن زيارة مستشار الديوان الملكي السعودي، لمصر، ولقائه مسؤولين مصريين بترتيب من السفير السعودي هناك، أحمد القطان، كان مركزا على أن الخلافات السعودية المصرية لن تفسد العلاقات بين البلدين.
وأشار مصدر سعودي مطلع وقتها لـ"عربي21" مفضلا عدم ذكر اسمه، إلى أن الخلاف المصري السعودي مبني على اختلاف بنيوي في السياسة الخارجية لكل بلد، خصوصا في الملفين السوري والعراقي.
ولفت إلى أن البعض يرى أن العلاقة يمكن أن تستمر بين البلدين، مع تنحية الملفات الخلافية جانبا، خصوصا أن البلدين متفقان في ملفات أخرى.
غير أن المصدر توقع لـ"عربي21" أن العلاقة السعودية المصرية من الصعب أن تستمر في ظل الخلافات، مشبها الأمر بـ"زوجين غير سعيدين يعيشان معا وسط خلافات كبيرة بينهما، لا تلبث إلا أن تنفجر وتنتهي بالطلاق".
الكاتب السعودي، جمال خاشجقي، قال في وقت سابق لـ"عربي21" إن الخيارات أمام السعودية للتعامل مع السلوك المصري قليلة لأن الحالة المصرية ورطة والخروج منها والتعامل معها غاية في الصعوبة.
وعلى صعيد الأزمة السورية على سبيل المثال، أوضح خاشقجي أن مصر تبتعد عن معسكر السعودية شيئا فشيئا وغيابها عن اجتماع الرياض الخليجي التركي الأخير لمناقشة الملف السوري والعراقي يؤكد هذا الابتعاد.
وأكد أن مصر بالفعل أصبحت في المعسكر الآخر المناقض لتوجهات السعودية في الشأن السوري.
وتمر العلاقات المصرية السعودية بأسوأ أطوارها منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013 في مصر، إذ أخذ كل فريق بالتلويح بالأوراق البديلة التي يملكها في وجه الآخر، فيما باتت خريطة التقارب بين الدول الإقليمية الكبرى (مصر والسعودية وتركيا وإيران) آخذة في التشكل من جديد في ضوء المعطيات الجديدة.
وكانت أولى حلقات التوتر المصري السعودي التسريبات التي بثتها فضائية "مكملين" المعارضة للسيسي حين كان على رأس وزارة الدفاع، وطلب من دول الخليج دعما ماليا فيما عرف لاحقا بتسريبات "الرز".
وماطلت المملكة العربية السعودية في تنفيذ المقترح المصري لتشكيل قوة عربية مشتركة، وأعلنت بعد فترة عن التحالف العربي لمكافحة الإرهاب، رأى مراقبون أنه بديل للمقترح المصري.
ولم يكن آخر مظاهر الخلاف، قرار القضاء المصري ببطلان اتفاقية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.. ففي فصل آخر من فصول الخلاف أوقفت السعودية توريد المحروقات إلى وزارة البترول المصرية دون إشعار سابق، مباشرة بعد التصويت المصري لصالح روسيا بشأن الأزمة في سوريا، في اجتماع مجلس الأمن.