قضايا وآراء

عون.. صفقة داخلية أم إقليمية؟

محمود علوش
1300x600
1300x600
بانتخاب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، تعود الحياة السياسية في لبنان إلى الدوران مجدداً بعد عامين ونصف من الجمود بسبب الفراغ. وهذه الحيويّة لن تقتصر فقط على قصر بعبدا، إذ إن من المنتظر أن تعود الحيوية أيضاً إلى السرايا الحكومي بعد تشكيل حكومة العهد الجديد برئاسة سعد الحريري.

ومن المفارقة أن الحريري الذي غادر السراي قسراً عام 2011 باستقالة وزراء حزب الله والتيار الوطني الحر بإيعاز من دمشق، سيعود إلى السراي بتكليف من عون نفسه الذي غادر بعبدا قسراً في 1991 بعملّية للجيشين السوري واللبناني. وما كان ليعود إلى لبنان في 2005، لولا تداعيات اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري التي اتخذت بقرار سوري على الأرجح.

ذكرت هذه المعطيات لتوضيح مدى الدور المؤثّر لدمشق في لبنان منذ اتفاق الطائف، مع أنّ هذا النفوذ بدأ بالانحسار تدريجياً بعد خروج الجيش السوري عقب اغتيال الحريري. وخفّت السطوة السورية بشكل كبير مع اندلاع الثورة السورية التي ألهت نظام الأسد الابن عن مهمّة تطويع اللبنانيين.

ورغم أنّ تحالف 8 آذار الموالي للنظام السوري وإيران يشعر بنشوة الانتصار حاليا، أو على الأدق يُروّج لها بين قواعده الشعبية، إلاّ أن ذلك لا يعني مطلقاً هزيمة للقوى المنافسة لها لأن عون ما كان ليصل إلى المنصب الأعلى في الدولة لولا دعم قطبين في 14 آذار له هما الحريري الإبن ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجح.

السؤال: هل التسوية داخلية بحتة أم نتيجة توافق إقليمي بين السعودية وإيران، الدولتان الأكثر تأثيراً في هذا البلد؟ الجزم بصحّة أيّ من من الفرضيّتين غير ممكن لسببين. الأوّل أن احتمالية التوافق الداخلي البحت غير واقعية لأنسياسيي لبنان لم يصلوا إلى هذه الدرجة من الاستقلالية في اتخاذ قرارات مصيرية بمعزل عن الراعي الخارجي لهم.

ولو كان العكس صحيحاً لما انتظر اللبنانيون عامين ونصف لانتخاب رئيس، طالما أن المعطيات الداخلية منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان هي نفسها ولم تتغيّر.

أمّا عن فرضية التوافق الإقليمي فتبدو مستبعدة كذلك لأن التوتّر الملتهب بين الرياض وطهران في ملفّات المنطقة كسوريا واليمن لا يوحي بذلك، إلاّ إذا قرّرتا ربط النزاع في لبنان لمنع انفلات الأمور فيه.

السيناريو الأرجح أن انتخاب عون تمّ بصفقة داخلية مع مباركة إقليمية. وتبدو الحاجة إلى الصفقة هي من دفعت الحريري إلى قبولها طالما أنّها ستُعيده رئيساً للوزراء. والمراقب لوضعه المتزعزع سياسيا ومالياً يُدرك حجم الفوائد التي سيجنيها من وراء التسوية التي ستؤكّد زعامته على سنّة لبنان وتُرمّم ثقتهم المتزعزعة فيه بسبب غيابه الطويل عنهم، وتُضعف أيضاً من ظاهرة الوزير السني السابق أشرف ريفي المنافسه له.

الأهم حاجة الحريري المُلحّة إلى ترميم علاقته الباردة حالياً مع الرياض عبر تقديم نفسه مجدداً لها كزعيم له من الحيثية الداخلية ما تؤهّله للحفاظ على الدعم السعودي، وأنّه لا يزال الشخصية الأقوى على مستوى لبنان والطائفة السنّية.

بالنسبة لحزب الله، فتبدو الحاجة أيضا من دفعته إلى ترجمة دعمه الظاهري لعون. فهو استفاد كثيرا من الفراغ وأطاله لأنّه أضعف 14 آذار وأعطى حرّية أكبر له لتوسيع تدخّله العسكري في سوريا، ناهيك عن أن شخصية عون القوّية لا تناسب الحزب في التأثير على قراراته.

وتجربة سليمان خير دليل، فهو اعتبر وسطياً بعد انتخابه رئيسا في 2008، لكنّه في آخر سنتين من ولايته تحوّل إلى مناهض للحزب. دعم الحريري لعون فاجاً حزب الله وأحرجه لأنّه وضعه بين خيارين لا ثالث لهما: الاستمرار في جني ثمار الفراغ على حساب تحالفه مع عون أو السير بالتسوية لإنقاذ التحالف. 
التعليقات (0)