قضايا وآراء

مؤتمر السخنة والخطة البديلة

ماجد عزام
1300x600
1300x600
مؤتمر السخنة الذي عقد بعيداً عن الكاميرا، وبشكل أو إطار أمني مثل الخطة البديلة، أو إحدى الخطط البديلة ضمن مشروع تلميع القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، وإعادته بالابتزاز والترهيب والترغيب إلى المشهد، بل إلى صدارة المشهد السياسي في فلسطين.

الخطة أ كانت تلحظ إقامة مؤتمر فتحاوي كبير لدحلان وأنصاره على طريقة مؤتمرات الطوارئ أو  تجمعات الانشقاقات الشهيرة لتنظيمات الاستبداد في زمن أنظمة الاستبداد، مؤتمر ينازع محمود عباس الشرعية يستبق المؤتمر العام السابع لفتح، ويؤكد حضور دحلان وأنصاره وقيادتهم الحصرية لفتح أو على الأقل تنافسهم مع أبو مازن وفريقه على القيادة والشرعية وشراكتهم وحقهم في تحديد مستقبل ومصير الحركة.

رغم الكمّ الكبير من الفجور العنف الإقصاء والجبروت الذي يمارسه نظام السيسي، إلا أن خطوة كهذه كانت لتثير مشاكل كبرى مع محمود عباس والقيادة الشرعية المعترف بها، وتكسر تاريخ وتقليد مصري قديم بعدم دعم أي انشقاقات أو فتح دكاكين للقاهرة في الساحة الفلسطينية، كما فعلت أنظمة الاستبداد الأخرى في بغداد طرابلس والشام، إضافة طبعاً إلى صدور أصوات معارضة حتى ضمن داخل المنظومة السياسية الإعلامية الحاكمة حذرت من الذهاب بعيداً والى هذا الحد في التدخل بالشأن الفلسطيني أو فرض قيادات وشرعيات جديدة عليه.

الخطة ب لحظت عقد مؤتمر موسع وبإطار سياسي فلسطيني واضح لا لبس به بحضور شخصيات من تيارات سياسية مختلفة خارج حركة فتح وطبعا مع حضور طاغ ومركزي لدحلان وفريقه، تنال من شرعية عباس وأحقيته بقيادة الشعب الفلسطيني وتضع تصورات أو محددات للمشروع الوطني، وحتى الفتحاوي تكرّس دور دحلان المركزي، والمؤثر فتحاويا وفلسطينيا أيضا.

حتى هذه الخطة كان من الصعب تمريرها في ظل الرفض القاطع من قبل حركة فتح والقيادة الحالية للمنظمة، وبالتأكيد من قبل حماس كحركة رئيسية ومركزية في الساحة الفلسطينية. وكان الحضور سيقتصر على بعض الفصائل والشخصيات الهامشية اليسارية والإسلامية ودائماً بكلفة سياسية واعلامية كبيرة على القيادة المصرية الحالية التى وجدت أن من الصعب تمرير أو تبرير الخطوة أقله في المرحلة الحالية.

من هنا ذهبت القيادة أو جهاز المخابرات العامة الذي يكاد دحلان يديره أقله في الملف الفلسطيني، كما رأينا أو سمعنا من التسجيل المسرّب الشهير إلى الخطة البديلة، والتي تتضمن عقد ندوة أو مؤتمر لمركز دراسات تابع للمخابرات، ويظهر بشكل مستقل وبحثي ويحقق من جهة أخرى الهدف المرجو حالياً ومرحلياً والمتثل بتلميع دحلان وإعادته إلى المشهد الإعلامي، ولو من باب الجدل وردود الأفعال على مؤتمره في السخنة.

المؤتمر عقد على الطريقة الأمنية بعيداً عن الأنظار، بحماية ورعاية تامة من المخابرات تماماً كما كان يحدث في رعاية الحوارات واللقاءات الفلسطينية وحصيلته جاءت متواضعة وتقليدية، وتم في بيانه الختامي توجيه الشكر حتى إلى الرئيس عباس نفسه مع حديث مكرر عن توحيد فتح والمصالحة، الحزبية الداخلية كما في السياق الوطني العام وإدارة مختلفة توافقية للصراع مع إسرائيل.

لم يكن مطلوباً في هذا الوقت أكثر من ذلك أي إعادة دحلان إلى بؤرة الاهتمام السياسي والإعلامي، وإعطاء الانطباع بأن التسهيلات الأخيرة في معبر رفح جاءت بتدخل مباشر منه، وإضافة إلى المؤتمر الفاشل في الأمعري أعطى الجنرال عدة مقابلات لمنابر إعلامية فلسطينية عربية ودولية،حتى إن صحيفة الجهاد الإسلامي في غزة -الاستقلال- وفي الذكرى السنوية لاستشهاد مؤسسها الدكتور فتحي الشقاقي فتحت صدر صفحاتها للجنرال في سياق تلميع صورته وتقديم نفسه بصورة المنقذ للفلسطينيين في غزة كما للمشروع الوطني العام. 

الآن سيتم الانتقال أو  بالأحرى العودة إلى المخطط الأصلي والدعوة إلى مؤتمر فتحاوي أو مؤتمر فلسطيني عام في القاهرة برعاية رسمية ومباشرة من الدولة المصرية، بينما سيكون دحلان بمثابة نجم أو عريس المؤتمر عرابه وقائده بالتوازي مع تسهيلات مصرية إضافية في المعبر وتجاه غزة بشكل عام، وإظهار الجنرال  العائد وكأنه يحمل العصا السحرية و القادر بالتالى على حل مشاكل وأزمات الشعب الفلسطيني.

كما قلنا سابقاً فإن أسوا ما في مشروع عودة دحلان اندراجه ضمن مشاريع الفلول الجدد والثورات المضادة في العالم العربي، كونه مدعوم بقوة من القاهرة وأبو ظبي تحديداً ناهيك عن دوره المباشر في دعم الثورات المضادة في العالم العربي كما هو الحال في ليبيا مثلا، وربما يبدو من باب السخرية أو حتى الاستهانة بنا كفلسطيين أن يتحدث نظام الجنرال الانقلابي المنهار في خريفه عن رعاية إصلاحات أو مصالحات في الساحة الفلسطينية بينما لا يفعل الشيء نفسه في بيته المتداعي وبالتأكيد فإن المثل العربي كان وما زال صحيحا حيث أن فاقد الشيء لا يعطيه. 

تشنج تسرع دحلان واستعجاله مرتبط  طبعاً بسعي الرئيس عباس لعقد المؤتمر السابع لفتح وبالتالي خلق واقع جديد يحول أو على الأقل يراكم صعوبات جدية أمام عودة القيادي المفصول، وعلى أبو مازن الانتباه وعدم عقد مؤتمر على طريقة الحزب الوطني في مصر قبل الثورة، لا يجب أن يكون مؤتمر فتح إقصائيا للمعارضين حتى من يدعو منهم إلى المصالحة مع دحلان أو إعادة ترتيب جدية للبيت الفتحاوي وقبل ذلك وبعده الانتباه الى أن الخلاص وطني وليس حزبيا والعلاج الجذري للأزمة بل الأزمات الفلسطينية يكمن في إنهاء الانقسام وتطبيق تفاهمات المصالحة خاصة وثيقة القاهرة -مايو أيار 2011- بشكل جدي نزيه منفتح مع الحزمة الانتخابية الكاملة وإعادة بناء جدية لمنظمة التحرير بعيدا عن المفرقعات الإعلامية والمبادرات الكلامية الإنشائية الزائدة والمنفصلة عن الواقع. 

في الأخير يجب على حركة حماس الانتباه والحذر، وألا يدفعها الخلاف أو السجال المستمر مع عباس إلى مساندة أو دعم دحلان والتيقظ لحقيقة مشروعه وارتباطاته الإقليمية وحتى الدولية، والسعي بالتالي لملاقاة أبو مازن في منتصف الطريق، إذا كان جاداً فعلاً هذه المرة في المضي قدما بعملية المصالحة وفق روح وليس فقط نص التفاهمات الموقعة، وعلى الحركة رغم الأزمات والتحديات التي تواجهها الاقتناع بأن مواجهة أو التخلص من الفلول القدامى لا يمكن أبداً أن يتحقق بالاستعانة أو التحالف مع الفلول الجدد. 

* كاتب فلسطيني
التعليقات (0)