مقالات مختارة

الأناشيد وإشارات المرور بدل الآيات والأحاديث!

حسين لقرع
1300x600
1300x600
في ظرف ثلاثة أيام فقط اكتشف أهالي تلاميذ بثلاث دول عربية أن مدارس أجنبية معتمَدة ببلدانهم تلقّن لأطفالهم أن الفلسطينيين "إرهابيون"، وتحرّكت وزارة الخارجية الفلسطينية لتطالب دولة عربية رابعة بحذف برامج تربوية من مدارسها لأنها تسيء لكفاح الفلسطينيين وقضيتهم!

السؤال الذي يرد إلى الذهن مباشرة فور اكتشاف هذه الجرائم التربوية في المدارس الأجنبية، هو: هل كانت البلدان المعنية تجهل فعلا مقررات هذه المدارس الأجنبية التي منحتها الاعتمادَ للنشاط على أراضيها، وأنها "فوجئت" حقا حينما أعلمها الأهالي بهذه التجاوزات بحقّ الفلسطينيين وسارعت إلى إلزامها بحذفها من مقرراتها؟ 

الأرجح أن هذه البلدان كانت مطلعة على وصف المدارس الأجنبية الناشطة بأراضيها للفلسطينيين بـ"الإرهابيين" ووافقتها عليها، بالنظر إلى تغيّر مواقفها من القضية الفلسطينية منذ عقود؛ فقد أسقطت المقاومة تماما من حساباتها وأصبحت تعاديها وتتآمر عليها، وتلهث وراء "السلام" مع الصهاينة وفق "مبادرة السلام العربية" التي وضعتها عام 2002، وما تزال تتوسّل للصهاينة للقبول بمبادرتها، وتعتبر "السلامَ" خيارا "استراتيجيا" لها، وتسمّي نفسها "دول الاعتدال العربي"؛ ولذلك وافقت على وصف المقاومين الفلسطينيين بـ"الإرهابيين"، لأنه ينسجم مع توجّهاتها الجديدة التي لم تعُد تعتبر الكيانَ الصهيوني عدوا، بل أصبح بنظرها "حليفا جديدا" ضد "العدو المشترَك" إيران، وكانت تأمل أن تتكفّل هذه المدارس الأجنبية نيابة عنها بإعادة صياغة عقول أبنائها لينسجموا بدورهم مع توجُّهاتها الجديدة، بدل أن تقوم هي بهذه المَهمَّة المُحرجة، ولكن حينما ثار أهالي التلاميذ على هذه المقررات، تظاهرت بأنها كانت تجهل مضمونها، وسارعت إلى مطالبة المدارس الأجنبية الناشطة بأراضيها إلى حذف هذا الوصف المشين.

إنه بالونُ اختبار أطلقته هذه البلدان لقياس درجة تقبّل شعوبها لتوجُّهاتها السياسية الجديدة التي تنسجم مع الصهاينة والغرب في شيْطنتهم للمقاومة الفلسطينية واعتبارها "إرهابا"، وتتّسق مع نظرتها الجديدة إلى الاحتلال الصهيوني على أنه أصبح "حليفا" لا عدوا، وذلك قبل أن تمرّ إلى إدراج هذه المفاهيم الجديدة في مقرراتها مباشرة، لتكون أكثر توافقا مع الإملاءات الأمريكية للبلدان العربية بتخليص منظوماتها التربوية من كلمات المقاومة والجهاد و"معاداة السامية" باعتبارها "إرهابا".

ومنذ أيام قليلة، ثار سكان إحدى هذه الدول على المناهج التربوية الجديدة في بلدهم بعد أن تعرّضت لتعديلاتٍ جوهرية، ومنها على سبيل المثال إلغاء تفسير سورة الفاتحة من الكتب المدرسية لتجنّب تفسير "غير المغضوب عليهم ولا الضالين"، وإلغاء سؤال عن تحرير المسجد الأقصى، واستبدال سورةِ الليل بدرسٍ عن السباحة، وحديثٍ نبوي بأنشودةٍ عن إشارات المرور، ودرسٍ عن العدد في القرآن الكريم بدرس "الحمامة الصغيرة"، وصورةِ معلّمةٍ متحجِّبة بصورة معلّمةٍ غير متحِّجبة، وفي كتاب اللغة العربية للسنة الرابعة ابتدائي، حُذفت الآياتُ جميعا واستُبدِلت بدرس عن الثقافة الغربية! والغريب أن الرجل الثاني في حكومة هذا البلد العربي، برّر هذه المجازر التربوية بأن "بعض النصوص في المناهج القديمة تحثّ على التطرّف، ويمكن أن تُفسَّر لصالح الإرهاب والتشدُّد"؟!

هذا المبرّر نفسه سيُستعمل في السنوات القادمة في مختلف المنظومات التربوية العربية من المحيط إلى الخليج، لإعادة صياغتها بشكل جذري، وربما بإشراف أمريكي مباشر، فتتعرّض مختلفُ الكتب إلى مجازر كبيرة وتُلغى جلّ الآياتِ والأحاديث ودروسِ السيرة التي تتضمن غزواتِ الرسول صلى الله عليه وسلم والفتوحاتِ الإسلامية، كما حدث بمصر منذ أشهر، والذريعة ستكون دائما "محاربة التطرّف والتشدُّد والعنف"، ونحمد الله على أن أنظمتنا غير قادرة على المساس بكتاب الله نفسه، وإلا كانت كل الآيات التي تتحدّث عن اليهود والنصارى وتحرِّم موالاتِهم، قد حُذِفت! 

الشروق الجزائرية
0
التعليقات (0)