مقالات مختارة

تشويه بدعوى التطوير

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
تطوير المناهج الدراسية المصرية خطوة تستحق الترحيب لا ريب، لكنها في الأجواء الراهنة ينبغي أن تستقبل بقدر من الحذر؛ ذلك أن الروائح التي نشمها تشير إلى أن المسألة ليست بريئة تماما، فلا هي لوجه الله ولا هي استهدفت فقط الارتقاء بالتعليم أو تخفيف العبء على التلاميذ، وإنما كان لريح السياسة وملاءماتها دخلها في الموضوع. وذلك ليس مجرد افتراض أو سوء ظن، لأن ما أعلن أخيرا في القاهرة بخصوص الموضوع في بيانات وزارة التربية والتعليم، قرأنا عنه منذ عدة أشهر في الصحافة الإسرائيلية التي أفسدت فرحتنا بالتطوير المرتجى؛ إذ أحبطتنا وأصابتنا بالغم حين ذكرت أن المناهج الجديدة في مراحل التعليم المصرية، قطعت شوطا متقدما في تحسين صورة إسرائيل والتمهيد للتطبيع معها، ولم يكن ذلك «كلام جرايد» كما نقول، ولكنه كان معلومات وثقتها دراسة صدرت في شهر مايو الماضي عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب.


الموضوع أثاره وزير التربية والتعليم في التصريحات التي نشرتها له جريدة الأهرام (عدد 19/9) بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد، وهي التي بشرنا فيها بالإنجاز الذي حققته وزارته حين أدخلت العديد من التعديلات على المناهج بالكتب المدرسية لجميع المراحل التعليمية. وانصب كلامه على نسب التعديل والحذف والتنقية، حيث فهمنا أن الحذف في بعض المواد تراوح بين 20 و60% أما التعديل والتنقية فقد تمت بنسبة 70%. ورغم أنه ضرب مثلا ببعض النصوص التي تم حذفها مثل نص: «انزل يا قمر نلعب تحت الشجر» الذي كان مقررا على الصف الرابع الابتدائي، إلا أنه لم يشر من قريب أو بعيد إلى التطوير الذي تم استلهاما للرؤية السياسية والاستراتيجية بعد «تطويرها» في الوقت الراهن. هذا النوع من «التطوير» احتفت به وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث تعددت التعليقات التي سجلته وأشادت به، أبرز ما كتب في هذا الصدد الدراسة التي سبقت الإشارة إليها وحملت عنوان: «السلام مع إسرائيل في الكتب الدراسية المصرية، ما الذي تغير بين عهدي مبارك والسيسي». وقد أعدها الباحث أوفير فاينتز. إذ ضرب الرجل مثلا بما طرأ من تعديل على كتاب «جغرافيا العالم وتاريخ مصر الحديث» المقرر على الصف الثالث الإعدادي للعام الدراسي 2015/ 2016.


النقطة الجوهرية التي رصدها الباحث في المنهج المصري الجديد، أنه قدم إسرائيل باعتبارها بلدا صديقا وليست بلدا عدوا. وتمثل ذلك فيما يلي:


< تقديم اتفاقية كامب ديفيد باعتبارها ضرورية لتحسين الوضع الاقتصادي، من خلال إبراز المزايا الاقتصادية للسلام مع إسرائيل بعد انتهاء الحروب وتوفير الاستقرار اللازم لتحقيق التنمية.


< يصف المنهج الجديد إسرائيل بأنها ترتبط مع مصر بعلاقة صداقة ويركز على شرعيتها كدولة شريكة في عملية السلام.


< لم يتطرق المنهج الجديد لا لحروب مصر ضد إسرائيل ولا للقضية الفلسطينية. وذكر الباحث في هذا الصدد أن كتاب عام 2002 كان يضم 32 صفحة عن الحروب العربية الإسرائيلية و3 صفحات للسلام مع إسرائيل. أما المنهج الجديد فإنه خصص 12 صفحة فقط للحروب العربية الإسرائيلية و4 صفحات للسلام مع إسرائيل.


< حذف المنهج الجديد أهم بنود معاهدة السلام المرتبطة بالقضية الفلسطينية، مثل الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومفاوضات تقرير المصير. بالمقابل فإن المنهج عرض محادثات مدريد واتفاقية أوسلو وكأنها نجاحات عظيمة. ولم يذكر المنهج ما كانت تردده الكتب السابقة عن محورية دور مصر الملتزم بمساعدة الفلسطينيين لتأسيس دولتهم المستقلة.


< اختفت من المنهج مصطلحات مثل «ثقافة الصراع» التي حلت محلها «ثقافة السلام»، وجرى التركيز على دروس الحرب والسلام والأهمية الاستراتيجية للسلام.


لا يفاجئنا ذلك التحول، الذي يعكس الاتجاه صوب ما سمي بالسلام الدافئ مع إسرائيل، ويعبر عن التحولات الاستراتيجية الحاصلة في السياسة المصرية إزاء «العدو» الصهيوني. ولم تكن تلك هي التحولات الوحيدة لأن «السياسة» مارست ضغوطها أيضا في مجالات أخرى شملت دروس التاريخ العربي والإسلامي، والنصوص الشرعية المتعلقة بالجهاد وبنظرة القرآن إلى بني إسرائيل.


كثيرة هي الأسئلة التي يثيرها ملف تعديل المناهج الدراسية بدعوى تطويرها، التي لم تخل من التشويه والتغليط. وفي غيبة الشفافية، فإن فلسفة التعديل ومقاصده تفتح الباب واسعا لتكهنات وإساءة الظن، ليس بمحتوى التعديلات، ولكن بمحاور الرؤية الاستراتيجية وآفاقها.

(عن الشرق القطرية)
2
التعليقات (2)
أيمن عصمان ليبيا
الأحد، 09-10-2016 11:44 ص
الضرب في العقيدة والوعي والقيم لتدمير المجتمعات العربية وجعلها مطية للصهاينة شغال من زمان ببركة الأنظمة العربية العميلة
محمد الدمرداش
السبت، 08-10-2016 03:38 م
التعليم و شخصية الدولة ................... من المعروف أن التعليم و العملية التعليمية هما أعداد و أخراج شخصيات ذات ثقافة و ميول و اتجاهات مصقولة بأسس معلوماتية تحتاجها الدولة في حاضرها و مستقبلها . و شخصية الدولة قد تكون دولة مؤسسات مستقلة لها خططها المتواصلة و المتعاقبة لصالح الدولة في حاضرها و مستقبلها يتوالى عليها أدارات حسب رؤية عموم الشعب في انتخابات ديمقراطية شفافة و أن كانت تتأثر وقتياً بأموال الدعاية و الأعلام ؛ و قد تكون شخصية الدولة دكتاتورية فرد أو طبقة دون شعب فهنا لا نجد للمؤسسات شكل أو هيكل بل تدفع أنيا حسب رؤية الدكتاتور الذى قد يكون موجه أو خانع أو أهوائه و مصالحه و مصالح طبقته في أتجاه معين و بالتالي يكون القرار و أداء المؤسسات . و إذا عدنا إلى السياسية و الحرب و السلام أتذكر مقولة الراحل السادات رحمه الله ذكر فيها أنه حارب الكيان الصهيوني و أنتصر عليه و لكنه لا يستطيع أن يحارب أمريكا التي أنزلت دبابات على الزيرو في العريش و حملت إلى أرض المعركة و لم يكمل عداد سيرها أكثر عشرات الكيلومترات و لذا فإن حرب أكتوبر ستكون أخر الحروب و أن السلام هو الخيار الاستراتيجي و لن يكون هناك قتلى من الطرفين المصري و الصهيوني و لن تكون هناك ثكالى تعانى ويلات فقد ذويهم في الحروب و ذهب إلى كامب ديفيد و كانت الاتفاقية المشهورة و وقتها كنا طلاب بالجامعة و قلنا أن الرجل يتصرف في حدود إمكانياته و أمكانيات بلاده و هذ هي الواقعية و لتتحول المعركة مع العدو إلى مربع الاقتصاد كما فعلت اليابان و ألمانيا و نحفظ لأنفسنا سيادتنا و قرارنا و بلادنا لأننا شعب له هويته و دينه الخاص و مميز عن باقي شعوب العالم بتاريخه و حضارته المتنوعة و لكننا و للأسف منذ هذه الاتفاقية المشؤمة نحن في اقتصاد مكبل أبعاده و سيادة منقوصة و بالتدخلات الخارجية سواء علناً أو من وراء الستار يعمل على قدم و ساق سواء أعلامي أو تعليمياً بمحو هويتنا و دينننا و ثقافتنا الخاصة بنا و صب الشخصية المصرية و العربية في قالب ترضى عنه أمريكا و يواكب متطلبات الكيان الصهيوني و استهداف المناهج التعليمية في مصر بمسمي التطوير و التنقية ما هو إلا أحدي هذا الفاعليات لأن شخصية الدولة تعانى من عوار شيد العيوب .

خبر عاجل