كتاب عربي 21

ملحِم بركات السّفيه الّذي نُحب

نزيه الأحدب
1300x600
1300x600
عندما كان قائد الجيش اللبناني الأسبق العماد ميشال عون منفياً في باريس بعد معارك طاحنة شنّها جيش الإحتلال السوري –كما كان يسمّيه عون– ضد المناطق اللبنانية المحررة من قبضته وبأمرٍ مباشر من الرئيس الراحل حافظ الأسد، أودت بحياة مئات العسكريين والمدنيين اللبنانيين، وعندما كان تيار الجنرال عَون الشعبي العابر للطوائف يتعرض لأبشع حملات التنكيل بسِياط النظام الأمني السوري اللبناني، وعندما كانت تهمة الانتماء للجيش اللبناني بقيادة عون تعادل راهناً تهمة عضوية الجيش السوري الحُر عند النظام السوري، وعندما كان الجنرال إميل لحّود ينقلب على قائده ميشال عون ليصبح الأوّل قائد جيشٍ موالٍ للسوريين، كان الفنّان "ملحم بركات" يغنّي للأسدَين حافظ  وبشار ومعهما أغنية bonnus لإميل لحود، وكان لا يتورّع في الوقت ذاته خلال مقابلاته الإذاعية عن إعطاء الدروس في الوطنية، فيكرّر لازمته الشوفينيّة بأن "غناء المطربين اللبنانيين بلهجة غير لبنانية خيانة كبرى".

بالأمس وقف "ملحم" في أحد المهرجانات الصيفية في بلدةٍ موالية للجنرال عون، وبدل أن يكتفي بتحيته أو ممارسة هوايته بتطويع الموسيقى لتمجيد الأقوياء، راح يطلق وصلةً من الشتائم من أرذل العيارات وأقبح العبارات على كل من لا يؤيد انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. ضحك الحاضرون عليه وصوّروه ونشروا فيديوهاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي ثم ذهبوا إلى بيوتهم ليبقى "الموسيقار" وحيداً في مواجهة ألوف التغريدات التي تراوحت بين شتمه والاستهزاء به وتحليل حالته النافرة.

ليس من العدل إنكار إبداع ملحم بركات في عالم الموسيقى والفن والغناء، فهو مدرسة قائمة بذاتها حتى أنه استطاع بحنجرته النادرة وفي مغامرةٍ من التحدّي، أن يقدّم في إحدى أغنياته "على بابي واقف قمرين" وصلة تشبه عواء كلب عجوز بأداءٍ متقَن واستثنائي ليتحول هذا العواء بفم "ملحم" إلى لحنٍ أسطوري وحصري.

وليست القضية بمضبطةٍ أخلاقية لِعَين الشتيمة بحد ذاتها، بل هي في تخطي "بركات" ذاتَه في هذه السفاهة اللامتناهية ليَرجُم على الملأ أكثر من نصف اللبنانيين بسبب موقف سياسي هو نفسه لا يعرف مقتضاه، ولعلّ دافعه لكل هذا الجنون هو ما كشفه  في نفس المهرجان حيث أخبر الجمهور بأنه زار الجنرال عون مؤخراً وطلب منه خدمة، فلربما كان يردّ له المعروف على طريقة الدّببة.

هل هي إشارات مبكّرة على السقوط في مرض الزهايمر للرجل الذي دخل عقده الثامن من العمر قبل سنتَين؟ أم هي إسهالٌ فموي متقدّم لم يعد قادراً معه على السيطرة على لسانه؟ أم هي صنفٌ فوق العادة من حشيش دُسَّ في رأسه؟ أم هي جنون عظمة يدفع بصاحبه نحو الهاوية؟ أم هي تحطيم مديات البذاءة التقليدية للانطلاق نحو فضاءات أوسع من السفاهة؟ أم هي كل ذلك في كائن واحد سنبقى نحبّه كما رافقت فنَّه قصصُ حبّنا الأولى، وسنبقى نرقص على إيقاع ألحانه الجميلة برغم أنه شتم أمهاتنا، لكننا لن نعامله بالمثل؟ فكل التحية لذكرى أم ملحم على هذه الخِلفة...
1
التعليقات (1)
عابر سبيل
الإثنين، 05-09-2016 03:11 م
يا ريت تسمع الفيديو كويس جدا هو سب كل الزعماء اللبنانيين على الفراغ الرئاسي خليك انت القضبان ولسانك غير لسان كل لبنانيين فى الخفاء