تواجه حركة حماس منذ نجاح الثورات المضادة في الانقلاب على الربيع العربي، تحديا جديدا يتعلق باستمرار حياديتها وعدم الانجرار إلى لعبة المحاور في المنطقة، وهي السياسة التي روجت فيها لنفسها لمحاولة تجنب السلبيات الناشئة عن الاستقطاب والصراعات الداخلية في بلدان المنطقة بين الحكم والمعارضة.
ورأت حماس أن صراعها مع إسرائيل يستدعي تضافر جهود الأمة لنصرتها، بصرف النظر عن الخلافات العربية مع إيران.
ونشير في هذا السياق إلى أن حماس انتقلت بعد الأردن إلى سوريا في أواخر التسعينيات واحتضنها آنذاك ما كان يسمى محور الممانعة، استمرت في علاقاتها مع ما كان يسمى محور الاعتدال وعلى رأسه السعودية. وحين وجهت لها انتقادات على هذه العلاقة، رددت قيادات هذه الحركة مقولة مفادها أن "من أراد أن يمدنا بالمال والسلاح فليتقدم، وعندها لن يكون لنا حاجة بالعلاقة مع إيران".
وحصلت حماس خلال هذه الفترة على دعم إيراني مالي وتسليحي كبير بعد فوزها الكاسح بالانتخابات التشريعية وتوليها الحكم قبل الانقسام
الفلسطيني في 2007. ومكنها ذلك من الصمود أمام العدوان الإسرائيلي عام 2008، فيما توطدت علاقتها مع النظام السوري الذي كان بالأمس القريب عدوا لدودا للإسلاميين.
ولكن تداعي الأحداث في سوريا بعام 2011 أجبر حماس على الخروج من دمشق، وجعل من محور الممانعة شيئا من الماضي بعد أن أشعل التدخل الإيراني في المنطقة نار الفتنة الطائفية في سوريا والعراق واليمن.
ومنذ ذلك الحين تقف الحركة وسط صراع سياسي وطائفي يعصف بالمنطقة، جعل البعض يذهب لمحاولة التطبيع مع إسرائيل لمواجهة إيران، أو لمحاربة الإسلام السياسي.
وتوجهت حماس صوب تركيا وقطر اللتين دعمتا الإسلام السياسي وثورات الربيع العربي. وتمكنت بفضل الدعم السياسي والمالي من الاستمرار في برنامجها في ظل ضعف أو انقطاع الدعم المالي الإيراني، ولكنه في نفس الوقت أبعدها عن إيران التي كانت تصر عليها للعودة إلى أحضان النظام السوري كشرط لاستئناف الدعم المالي، وهو ما رفضته هذه الحركة.
ورغم التباينات التي نشأت داخل هذه الحركة، فقد تمكنت حتى الآن من الحفاظ على تماسكها الداخلي وتوازنها السياسي.
وواجهت الحركة مع فصائل المقاومة الأخرى العدوان الإسرائيلي عام 2014 وتمكنت من الصمود أمامه 51 يوما بدون أي مساعدة خارجية، إلا أن التحديات السياسية بعد ذلك منعتها من جني ثمار الصمود، بل أدت إلى ازدياد محاولات حصارها كما يحصل الآن مع قطاع غزة من قبل نظام السيسي الذي ينسق بالكامل مع الاحتلال لخنق القطاع أملا في انتزاع مواقف سياسية تتنازل فيها هذ الحركة عن سلاحها.
وغاب الدعم العربي عن هذه الحركة في ضوء الانشغال بالصراع مع إيران، فيما قدمت أنقرة للفلسطينيين اتفاقا لتخفيف آثار الحصار على غزة (وليس فكه) ولكنها في المقابل استعادت علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب بعد تسوية أزمة سفينة "مافي مرمرة".
ويمكن القول إن حماس لم تتمكن من ترتيب وتوفيق أوضاعها في المنطقة بسبب حالة السيولة فيها وهيمنة الصراع الطائفي والسياسي فيها. فقد بقيت العلاقة فاترة مع طهران التي تتهمها بأنها تنحاز للمحور المعادي لها وتعيب عليها التواجد القيادي في قطر وتركيا وتحاول اللعب على وتر التباينات الداخلية بدعمها للجهاز العسكري لحماس في الداخل في الوقت الذي أوقفت فيه الدعم عن القيادة السياسية في الخارج بشكل كامل.
كما أن هذه الحركة التي قدمت الدعم للشرعية في اليمن ورفضت ممارسات النظام السوري ضد شعبه، وتنازلت مؤخرا عن الحكم في غزة وقبلت بحوار سياسي مع فتح، فشلت في إرضاء المحور العربي وفتح مغاليق العلاقة مع السعودية رغم انفتاح الملك سلمان على الإسلام السياسي. ويعود ذلك بالأساس إلى مراهنات بعض الأطراف على نزع سلاح الحركة وإدماجها بالعملية السياسية أو حتى إبعادها عن المشاركة السياسية كنتيجة للحوار الفلسطيني ، كما أنها تكاد تكون الآن القوة الوحيدة غير المسيطر عليها في المنطقة بالنسبة لإسرائيل.
ولم يكتف التكتل العربي الجديد الذي يضم حاليا السعودية ومصر والإمارات والأردن بمنع الدعم المالي عن حماس، ولكنه قد يسعى – وفق تباينات في أركانه - لتغيير المعادلة الفلسطينية الداخلية بهدف إنجاح مشاريع تسوية على أساس مبادرة السلام العربية، في محاولة لتمهيد المنطقة – بما يشمل إسرائيل- لمواجهة النظام الإيراني.
وتشير بوصلة المنطقة إلى أن التجاذبات السياسية والطائفية ستبقى مخيمة عليها خصوصا وأن الإدارة الأميركية لا تسعى بتاتا إلى تهدئة المنطقة إلا فيما يتعلق بخدمة مصلحة إسرائيل، كما أن روسيا رتبت أوراقها مع تل أبيب بعد تدخلها المباشر لصالح النظام السوري، وهو ما يزيد الأمر تعقيدا في التوصل لحل سياسي.
ولا يبدو أن هناك إمكانية للتوصل لحل سياسي مع إسرائيل يزيد الضغوط على حماس. ولذلك فإن التحدي الأساسي الذي لا تزال تواجهه هذه الحركة هو الاستمرار بإدارة علاقة متوازنة مع الجميع في ضوء حالة السيولة الكبيرة التي تعيشها المنطقة.