تشهد مدينة
الحسكة توترا متكررا بين قوات النظام وقوات الحماية الكردية، ويصل التوتر إلى حدّ الاشتباكات الدامية، وهذا ما حصل مؤخراً في السوق الرئيسية، ما أدى لسقوط قتلى من الطرفين ومن المدنيين أيضا.
معارك لا تلبث أن تتوقف
وتحدث المشاكل غالباً بين العناصر وتتطور، لتُحلَّ لاحقاً بتدخل قيادات الطرفين. إذ بدأت الأحداث الأخيرة، الأحد الماضي، نتيجة مشادة كلامية بين عنصر من النظام وعنصر تابع لقوات الحماية الكردية.
يقول الناشط الإعلامي سراج الحسكاوي: "تطورت الملاسنة بين العنصرين لإطلاق نار، فأصيب عنصر النظام في ساقه لينقل إثر ذلك للمشفى، فهاجمت مجموعة من زملائه دورية للأسايش (قوات كردية)، واختطفت عنصرا من جبال قنديل".
وتسارعت الأحداث بعد ذلك، بحسب الحسكاوي، الذي أضاف في حديثه لـ"
عربي21": "في المساء، اشتد الصدام في شارع فلسطين في السوق المركزي، ما سبب حالة هلع بين المدنيين"، وخاصة بعد أن شملت الاشتباكات جميع أنحاء المدينة التي تشهد وجودا للطرفين.
وأوضح سراج الحسكاوي أنه "مع اتساع بقعة الاشتباكات، سقط قتلى من الطرفين، إضافة لخمسة شهداء من المدنيين بينهم امرأة".
ولا تزال مدينة الحسكة تعيش حالة من الرعب والخوف رغم الهدوء، إذ استُخدمت قذائف الهاون من الطرفين.
ويعتقد ناشطون أن النظام يرغب في تصعيد الأمور بين فترة وأخرى، حيث يوضح الناشط الإعلامي أبو حسن، من الحسكة، أن "النظام يرغب في زيادة الكراهية بين العرب والكرد؛ ظناً منه أن ذلك يخدمه حاضراً ومستقبلاً".
ويستخدم النظام مليشيا
الدفاع الوطني (غالبيتهم عرب) رأس حربة في مواجهة القوات الكردية. ويقول الناشط الإعلامي جهاد الأيوبي لـ"
عربي21": "سيطرت مليشيا الدفاع الوطني سريعاً على كلية الآداب، ومشفى الأطفال، ومدرسة عياض الفهري".
محاولة إعادة الحياة
ويحاول النظام الحفاظ على سلطته ولو شكلياً، والهدف إيصال رسائل كثيرة، وهذا ما جعله يعيد عمل جميع الدوائر المدنية لتل براك في ريف الحسكة.
ويقول سراج الحسكاوي: "نتيجة الدمار الحاصل الذي وصل إلى 75 في المئة، ودمار معظم المؤسسات الحكومية، فإن كل الدوائر باشرت عملها في إحدى المدارس لتأخذ كل دائرة غرفة".
سياسة التجريف
وما يساعد في اشتعال الأمور بسرعة؛ احتقان الشارع العربي من تصرفات قوات الحماية الكردية بحق العرب وتجاوزاتها التي تُتهم بـ"العنصرية"، ومن ذلك ما حصل في قرية الأغيبش في ريف تل تمر منذ أسبوع، حيث يقول جهاد الأيوبي: "هدمت مليشيا "ب ي ج" (
الوحدات الكردية) وجرفت أكثر من عشرة منازل في القرية لمنع الأهالي الذين قدموا طلبات العودة من الرجوع لبيوتهم" بعد طرد تنظيم الدولة منها.
كما تُتهم المليشيات الكردية بتنفيذ إعدامات ميدانية، ومنها حالة إسماعيل غزال العبد الله، الذي يقول نشطاء إنه قتل بدم بارد بطلقتين في الظهر، في قرية الحدادية جنوب الحسكة، حيث تُرك ينزف 20 دقيقة، وفق الناشط أبو حسن.
ووقعت الحادثة بعد مداهمة القوات الكردية، في 2 تموز/ يوليو الجاري، قرية الحدادية (30 كم جنوب الحسكة).
ويقول الناشط سراج الحسكاوي: "هاجم القرية أكثر من 50 عنصرا أغلقوا المداخل والمخارج، وبدأوا بالمداهمة والتفتيش دون السماح للأهالي بمرافقتهم أثناء تفتيش بيوتهم. واعتقل إسماعيل وشقيقاه، وعند مطالبته إطلاق سراحه أُنزل من السيارة وقتل بدم بارد"، فيما ما زال مصير المعتقلين مجهولاً، حيث لاذت القوات الكردية بالفرار بعد عملية القتل.
وقد تم توثيق سرقات لمنازل، منها منزل عدنان السلمان، بحسب الحسكاوي الذي ذكر أنه "سرق من بيته مبالغ مالية وسلاح فردي مرخص".
معاناة المواطنين مستمرة
وتعيش الحسكة عموماً وضعاً اقتصادياً صعباً نتيجة الأتاوات التي تعد مصدر دخل مهم ل "ب ي ج".
ويوضح الناشط جهاد الأيوبي: "يدفع التجار رسوماً خيالية تصل أحياناً إلى 50 في المئة من قيمة المادة، ما ينعكس على الأسعار"، حيث تمارس المليشيات الكردية سلطة الدولة بالجباية.
ويضيف: "الضرائب كثيرة، إذ تشمل الكهرباء والمياه ومخالفات المرور وتسجيل السيارات ورسوم المحلات التجارية والصناعية، ووصل الأمر لإجبار الأهالي على دفع زكاة الفطر لمكتب الكومينات" التابع للإدارة الكردية.
ويُجبر المواطن على تسجيل سيارته ودفع الرسوم مرتين، مرة عند النظام، ومرة عند الإدارة الكردية، كما يقول الأيوبي، الذي لفت إلى أن القوات الكردية تصادر السيارات التي لا تكون مسجلة لدى "ما يسمى روج آفا"، في إشارة إلى منطقة الإدارة الكردية في شمال وشمال شرق
سوريا.
وطالت الشكوى من المليشيات الكردية المواطنين
الأكراد أيضا، حيث يشير الأيوبي إلى أن "ب ي ج مسؤولة عن هجرة معظم الشباب الكرد قبل العرب؛ نتيجة سياسة التجنيد الإجباري" فيما انقطع آلاف الطلاب عن متابعة دراستهم نتيجة هذه السياسة.
ويرى مراقبون أن مستقبلا تشوبه صراعات بين الكرد والعرب قد ينتظر الحسكة؛ نتيجة ممارسات "ب ي ج" وتصاعد الاحتقان، فيما يعمل النظام للعب على الطرفين، فيفتح الدوائر (مثل تل براك) كأي منطقة سورية موحياً بأنه لن يتخلى عن العرب، ويعطي الكرد امتيازات للضرورة الميدانية.