مقالات مختارة

50 مليون مرتش!

حسين لقرع
1300x600
1300x600
يقدِّر التقريرُ الأخير الذي أصدرته منظمة شفافية دولية منذ أيّام بشأن ترتيب مختلف البلدان العربية في قائمة الدول الفاسدة، عددَ العرب البسطاء الذين يقدّمون رشاوى للمسؤولين في مختلف المواقع لـ"الحصول على خدمات"، بنحو 50 مليون مواطن ينتمون إلى 9 دول عربية فقط، منها الجزائر.

هذا الرقم يعني أن نحو 70 إلى 80 مليون عربي ينتمون إلى 22 دولة عربية يقدّمون رشاوى، باعتبار أن باقي الدول غير المذكورة في التقرير أغلبها قليلة السكان. ومع ذلك، فهو رقمٌ مرتفع جدا ويعني أن أكثر من ربع العرب مرتشون.

كثيرا ما تتطرّق وسائل الإعلام إلى غرق الأنظمة العربية في شتى أشكال الفساد وفي مقدّمتها تلقي الرشاوى والعمولات، وإبرام صفقات مخالفة للقانون، والتزوير، وتضخيم الفواتير، والاختلاسات ونهب المال العام، واستغلال نفوذ المناصب للحصول على امتيازات غير مستحقة، وحتى استغلال أملاك الدولة لأغراض خاصة... ولكنها لا تتطرق كثيرا لتفشّي الفساد لدى الشعوب وممارسته على نطاق واسع في العقود الأخيرة، وفي مقدّمة أصنافه الرشوة التي أصبحت مثل "قهوة الصباح" لدى الكثير من الناس الذين يقدّمونها بـ"سبق إصرار وترصّد"، ويتمادون في ذلك، ويحوّلونها إلى "عادة يومية" لهم لقضاء مآربهم، ويسعون جاهدين إلى إيجاد مسؤولين يقبلونها منهم مقابل قضاء مصالح معيّنة، أو الحصول على مزايا غير مستحقة تعود إلى غيرهم، أو الظفر بصفقات تدرّ عليهم الملايير من دون وجه حقّ، وهل كانت عمولات 10 و20 بالمائة ستنتشر في أوساط المسؤولين في شتى القطاعات لو لم يكن هناك مقاولون مرتشون حريصون على دفعها؟

لا نعلم ما إذا كانت الشعوب العربية تلتفّ بدورها على الرشوة وتطلق عليها أسماء مختلفة بقصد تبريرها وحتى "إباحتها"، ولكن في الجزائر تُطلق عليها مُسمَّياتٌ عديدة نشعر من خلالها أن المرتشين قد استمرؤوها، واستحلّوها، ولم يعودوا يعتبرونها حراما ملعونا صاحبها، بل مجرد "تشيبّة" و"قهوة" أو "حق" من حقوق المسؤول، أو مجرد "هديّة"، مع أنه لو جلس في بيت أبيه وأمّه لما وصلت إليه قط.

لا شكّ أن الأنظمة العربية غارقة في الفساد إلى أذنيها، والتقارير السنوية لمنظمة شفافية دولية تدينها كل سنة وتعرّيها أمام العالم، وهي بهذا الفساد قد أهدرت مقدرات شعوبها، ونهبت ثرواتها، وأفقرتها، وأضاعت فرصها في التنمية والخروج من التخلّف، كما أنها تتحمّل جانبا كبيرا من المسؤولية في نشر آفة الفساد بين شعوبها، ولكن هذه الشعوب أيضا ليست بريئة ومجرّد ضحيّة لأنظمتها، بل هي مشارِكة في الجريمة بشكل أو بآخر؛ فهي لم تحارب الرشوة بجدّية على مستواها، ولو وجد المسؤولون المرتشون أن أغلب مواطنيهم يرفضون أطماعهم، ويتصدّون لهم ويفضحونهم، ولا يتذرّعون بـ"الضرورة" للسقوط فيما حرّم الله... لما تمادوا في غيّهم.

رقم 50 مليون مرتش في 9 دول عربية فقط، يؤكِّد أن الرشوة تكاد تصبح قاعدة على المستوى الجماهيري وليست استثناء، كما يؤكد المقولة المعروفة "كما تكونوا يُولّى عليكم"، والمطلوب محاربة الفساد على مستوى الشعوب أيضا وليس على مستوى الأنظمة فقط.

عن صحيفة الشروق الجزائرية
0
التعليقات (0)