مقالات مختارة

الراغبون في تغيير خريطة الشرق الأوسط

كمال أوزتورك
1300x600
1300x600
مع هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى عام 1916، أي بالضبط قبل 100 عام من الآن، تغيرت خريطة الشرق الأوسط كلها، وذلك من خلال تعاون سري دخل التاريخ باسم اتفاقية سايكس – بيكو. مثل بريطانيا في تلك الاتفاقية التي حولت العالم الإسلامي إلى أشلاء، وإلى كيانات متنافرة، الدبلوماسي "مارك سايكس"، فيما مثل فرنسا الدبلوماسي "فرانسوا جورج بيكو"، لذا حملت الاتفاقية المذكورة لقبيهما.

بعد مضي قرن كامل على الاتفاقية، عادت البلدان الراغبة في تغيير خريطة الشرق الأوسط إلى العمل مجددا. تمكنت قبل قرن من الآن، بريطانيا وفرنسا وروسيا، من رسم خارطة للمنطقة. أما الآن، فنجد أن روسيا والولايات المتحدة وإيران تقف على رأس الدول الراغبة في تقسيم المقسَّم. 

إيران، بلد حالم بوضع رسم جديد لخريطة المنطقة، أقحمت إيران نفسها في حروب طاحنة ضمن المنطقة، تحت ذريعة الحرب في سوريا، وليس من الواضح فيما إذا كانت إيران هي التي تستغل روسيا في المنطقة لتحقيق أهدافها، أم العكس، لكن البلدين على حد سواء، يرغبان بلعب دور فعال في إعادة صياغة خريطة المنطقة، الممتدة من اليمن، إلى العراق، وسوريا، ولبنان.

روسيا باتت تشكل "تهديدا رئيسيا"

باتت تشكل روسيا، مصدر تهديد رئيسي بالنسبة للشرق الأوسط، أما إيران، فهي ستدرك بعد حين، حجم المصيبة التي جلبتها إلى المنطقة، لكن متأخرا. ذلك أن سوريا، لن تعد ذلك البلد الذي يدور في فلك إيران، بل ستصبح بلدا يدور في الفلك الروسي. 

رغبت روسيا بتقسيم سوريا، وإقامة دويلة نصيرية للأسد في المنطقة الساحلية من البلاد، ودولة كردية لمنظمة "حزب الاتحاد الديمقراطي" التابعة لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية، أما الآن فقد غيَّرت رؤيتها، حيث تعمل على خلق دولة لمنظمة "بي كا كا" في شمالي سوريا، وترك بقية الجغرافيا السورية لتكون دولة نصيرية يتربع الأسد على رأسها. في الواقع، إن الروس جاهزون لبيع الأكراد فورا، فيما لو وافقت كل من تركيا والمملكة العربية السعودية، على الاعتراف بالأسد. خاصة مع تغيير التوازنات الميدانية في المنطقة، نتيجة القصف الروسي.
البلدان التي تخطط لتغيير خريطتها

لا تقف التغييرات عند هذا الحد، بل يعمل المحور الروسي الإيراني على قلب نظام حكم مسعود بارزاني في شمال العراق، واستبداله إما بجلب حركة "غوران" التابعة لمحور طهران/ بغداد إلى السلطة، أو الإطاحة بوجود الإقليم وإلحاقه بالحكومة المركزية في بغداد.

كما يعمل هذا المحور على رسم خريطة ثالثة في اليمن، سيما وأن إيران موجودة بشكل فعلي وتحارب من أجل تمزيق اليمن. إن تمزيق اليمن سيفتح المجال أمام تحقيق مخططات تجزئة جديدة في المنطقة، وهنا تكمن أهمية هذا البلد بالنسبة للمحور الروسي – الإيراني. 

يعمل المحور المذكور على الاستفادة من تغيير خريطة اليمن، للدخول إلى عمق المملكة العربية السعودية، لذا تواصل إيران العمل على التحريض المذهبي داخل المملكة، ورغم علمها بأن مثل هذا التحريض يؤثر بشكل سلبي على العالم الإسلامي كله، إلا أنها تصر على مواصلة سياساتها بهذا الصدد، والسعي لتغيير خريطة المنطقة. 

إن القوى الراغبة بتغيير خارطة العربية السعودية من البوابة اليمنية، هي ذاتها القوى التي ترغب بتغيير خريطة تركيا، عبر إقامة دويلة كردية في سوريا. ورغم معرفة إيران بالهدف التقليدي لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية، والمتمثل في تفتيت تركيا والعراق وسوريا وإيران، وإقامة دولة "كردستان" على أجزاء من تلك الدول، وإدراكها لحقيقة تأثير تلك المنظمة على المواطنين الإيرانيين من أصل كردي، إلا أنها لا تتورع عن تقديم كافة أنواع الدعم لمنظمة "بي كا كا"، وإقامة دولة كردية شمالي سوريا.

الولايات المتحدة تقدم دعما غير مباشر لعملية تغيير الخرائط

إن محور طهران – موسكو، يدرك أن تغيير خريطة سوريا، والعراق، واليمن، وتركيا، والسعودية، سيكون له تأثير الدومينو على المنطقة برمتها، وأن المنطقة ستنجرف على أثره نحو حالة من الفوضى.

لكن، ما الذي تفعله الولايات المتحدة التي امتلكت وجودا نشطا لسنوات في هذه المنطقة؟ لقد انتهجت الولايات المتحدة سياسة فاشلة في الشرق الأوسط، وهي الآن تكتفي بمراقبة ما يحدث، بل إنها شجعت الخرائط المنشورة من قبل صحيفة "نيويورك تايمز"، والتي أظهرت وجود تقسيم لخارطة المملكة العربية السعودية. 

لقد وجهت الولايات المتحدة ضربة لتركيا، عندما أعلنت منظمة "حزب الاتحاد الديمقراطي" (ذراع منظمة بي كا كا الإرهابية في سوريا) كحليف لها في المنطقة، كما أغضبت السعودية عندما وقعت مجموعة من الاتفاقيات مع إيران، وهذا يعني، وجود أكيد لاتفاق غير مباشرة بينها وبين روسيا، التي تسعى لتغيير خريطة المنطقة بشكل فعلي.

في هذه الحالة، ينبغي على دول الشرق الأوسط، وضع استراتيجيات وعقد اتفاقيات وتحالفات وصياغة مفاهيم جديدة، لرسم صورة مصيرهم، ومستقبل بلادهم، خاصة أن المنطقة تشهد في هذه الآونة، "صراعا حامي الوطيس"، بين القوى الراغبة في تغيير خريطة المنطقة، والقوى الساعية لحمايتها.

عن صحيفة الشرق القطرية
0
التعليقات (0)