مقالات مختارة

قبل أن تدمّر "صوفيا" بقايا ليبيا

حسين لقرع
1300x600
1300x600
لم تكشف وثائق "ويكيليكس" جديدا، حينما تحدّثت عن عملية "سرّية" يحضِّر لها الاتحادُ الأوربي للتدخل العسكري في ليبيا، فور تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، التي يقودها السرّاج. وينتظر أن يوافق عليها برلمانُ طبرق المعترَف به دوليا.. فأوربا، ومعها الولايات المتحدة، تستعدّان منذ أشهر لغزوٍ جوي وبري لليبيا، تحت عنوان وضع حدّا لتوسّع "داعش"، وهذا الأمر ليس سرا.

لكن ما نودّ أن نعرفه هو موقف حكومة السراج المنتظَرة من هذا الغزو: هل يكون منحُ الضوء الأخضر للأوربيين والأمريكيين لغزو بلدها أوّلَ عمل "تدشّن" به عهدَها الجديد؟ أم إنها سترفض هذا التدخل قطعا وتصرّ على توحيد الليبيين، وحشد طاقاتهم الداخلية لمكافحة "داعش" وحدهم حفاظا على بلدهم؟

ينبغي أن ينتبه الليبيون إلى أن الأوربيين يتحجّجون بأن غرقهم في الاقتتال والتناحر بينهم، قد وفّر البيئة المثالية لـ"داعش" لتفرّخ في ليبيا وتعشّش وتسيطر على درنة وسِرت، وتهدّد بالزحف على أجدابيا والمثلث النفطي بالبلد. ولذا، يهدّد الأوربيون بالتدخل للقضاء على هذا التنظيم أو على الأقل إضعافه وتحجيم خطره، قبل أن يخرج عن نطاق السيطرة أو "يتمدّد" بشكل كبير كما حدث في سوريا والعراق، ويصبح "غزوُه" أوروبا مسألة وقت.. ولذا ينبغي أن تنسى مختلفُ أطراف الصراع في ليبيا خلافاتها وأحقادها وتضعها جانبا، وتقدّم تنازلاتٍ متبادلة تمكّنها من تحقيق تسوية سياسية، تُنهي الحرب الأهلية في ليبيا، وتمكّنها من حشد طاقات الليبيين لمحاربة "داعش" وحدهم، وبالتالي إبعاد خطر التدخل الأجنبي في بلدهم. 

لقد أخطأ الليبيون منذ 5 سنوات حينما استدعوا الناتو لمساعدتهم على الإطاحة بالقذافي، وتحقق لهم هذا الهدف بعد أشهر، لكن الثمن كان انهيار مؤسسات الدولة وتغوّل المليشيات والوقوع في براثن الحرب الأهلية.. وسيُخطئون مجددا إذا عجزوا عن إنهاء صراعاتهم، والتوحّد لمواجهة "داعش"، واستدعوا مجددا التدخّل الأجنبي ليقوم بهذه المهمة نيابة عنهم.

إذا كان تدخّلُ الناتو قبل 5 سنوات قد حوّل ليبيا إلى دولة فاشلة تسود فيها الصراعاتُ المسلحة وحكم المليشيات المنفلِتة وعصابات الإجرام، وتتجاذبها قوى عربية ودولية عديدة متناقضة المصالح والأهواء، فإنّ التدخّل العسكري الجديد الذي يحمل اسم "صوفيا" سيقضي على ما تبقى من مظاهر الدولة في ليبيا.. ويُحدث خرابا كبيرا، وقد يساهم في انتشار "داعش" من خلال تدفّق عشرات الآلاف من المتعاطفين معها إلى ليبيا، تحت عنوان "مكافحة الغزو الصليبي"، وبالتالي تتحوّل إلى أفغانستان جديدة وتفيض بمشكلاتها الأمنية على شمال إفريقيا والساحل وجنوب أوروبا، وتصبح المنطقة كلها على كفّ عفريت. وقد تتحوّل ليبيا إلى صومال جديدة، مظاهر الدولة فيها شبه غائبة، ولا يستطيع نظامُها بسط سيطرته على محيط القصر الرئاسي.

الحلّ بأيدي الليبيين، وعليهم التكفل بمواجهة مشكلاتهم الداخلية وحدهم، وفي مقدّمتها إنهاء الحرب الأهلية، وتحقيق المصالحة الشاملة، وتقوية مؤسسات الدولة حتى تبسط سيطرتها على البلد كله، ووضع حدّ لنفوذ المليشيات المتصارعة، وتعزيز الأمن، وتقوية الجيش، ومطالبة الغرب برفع الحظر عن تسليحه لمواجهة أي خطر داخلي وحده.  

عن صحيفة الشروق الجزائرية
0
التعليقات (0)