تطوّرت الحرب الإعلامية بين الكتاب الليبراليين والدعاة الإسلاميين في
السعودية إلى مرحلة "التخوين"، حيث اتهم كل طرف الآخر بالعمل ضد أمن المملكة.
وبرغم مرور عدة أيام على حادثة "النخيل مول" التي شغلت الرأي العام السعودي، إلا أن الكتاب المحسوبين على التيار الليبرالي واصلوا هجومهم على
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولعل من أبرز الأسباب التي فاقمت الخلافات بين الطرفين انتشار خبر حول قبض "الهيئة" على إعلامي محسوب على الليبراليين؛ بتهمة حيازته على "خمور"، علما أنه كان قد هاجم الشيخ محمد العريفي قبل أيام من انتشار الخبر الذي لم تتأكد "
عربي21" من صحته من مصدر مستقل.
ورصدت "
عربي21" أكثر من 15 مقالا خلال اليومين الماضيين لكتاب سعوديين اتهموا خلالها جهاز "الهيئة" بارتكاب سلوكيات خاطئة، والاندفاع نحو التطرف.
وذهب بعض الكتاب إلى أبعد من ذلك، عادّين "الهيئة" بأنها "مصدر خطر على أمن المواطنين، وأنها سبب أساسي في "تفريخ الدواعش"، وفق وصفهم.
الكاتب عبده خال، دوّن مقالا في صحيفة "عكاظ"، بعنوان "فضيحة الهيئة"، اتهم خلاله "الهيئة" بالسعي إلى إسقاط مخالفيها، والعمل على تشويه سمعتهم، وتلفيق قضايا مختلفة ضدهم.
وتابع: "من الآن، على جميع من يقف ضد تصرفات رجال الهيئة أن يحسب لكل خطوة يخطوها حتى داخل غرفة نومه، فما يدريه أن يقفز عليه أحدهم ويلفق له تهمة لن يستطيع الفكاك منها إلا بالوقوف أمام هيئة الادعاء العام، ومع ذلك لن يسلم من الفضيحة المدوية التي سيتناقلها رجال ونساء وأطفال البلد بأن الهيئة قبضت عليه وهو يحمل ذنوب الأرض".
وأضاف: "لأن المنتقدين للهيئة بالكثرة الكاثرة، فتوقعوا أن يتم القبض على كل من ينتقد الهيئة بفضيحة مدوية تسير بها الركبان".
فيما اتهم الكاتب قينان الغامدي أبرز الدعاة السعوديين، وعلى رأسهم محمد العريفي وعوض القرني، بتضليل شبان قاموا لاحقا بعمليات ضد الأجهزة الأمنية السعودية.
وقال الغامدي في مداخلة تلفزيونية على قناة "إم بي سي"، إنه يتوقع أن العريفي والقرني من رؤوس ما أسماه "التنظيم السروري"، الذي اتهمه بأنه "أخطر تنظيم في العالم".
وكان الغامدي قال، في مقابلة مع صحيفة "الوكاد" الإلكترونية قبل أيام، إن "جهاز هيئة الأمر بالمعروف ليس له أي دور خاص به سوى الاعتداء على الناس، وتفتيش جوالاتهم والتجسس عليهم، واستدراجهم إلى الرذيلة ثم اصطيادهم، وهذا كله محرم شرعا ونظاما وعقلا وعرفا، أما ما عدا ذلك فلا دور لها مطلقا".
وبعنوان "جهاز الهيئة بحاجة إلى مراجعة"، قالت الكاتبة هتون الفاسي في مقالها الذي نُشر في صحيفة "الرياض": "هل نحن بحاجة لمن يقودنا بالعصا، ويلاحقنا في كل مكان عام، ويعظنا بالقوة، ويدعونا إلى الرشاد؟".
وفي صحيفة "الرياض" أيضا، قالت الكاتبة حسناء القنيعير بمقالها المعنون بـ"الهيئة.. تصرفات تتجاوز الحدود": "لا بدّ أن يُجبر بعض رجال الهيئة على تغيير أفكارهم المتشددة، خصوصا فيما يتعلق بالمرأة".
وأضافت في حديثها عن أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "لا بد أن يُجبروا على استيعاب المتغيرات العصرية".
فيما ذهب كتاب ومغردون محسوبون على التيار الليبرالي إلى إعادة نشر تغريدات لدعاة سعوديين طالبوا الحكومة بتسوية ملف المعتقلين السياسيين والإفراج عنهم.
على الطرف الآخر، أنشأ دعاة سعوديون هاشتاغ "#إعلاميون_يخدمون_أعداءنا"، اعتبروا خلاله أن الحملة على "الهيئة" في هذا التوقيت تصب في مصلحة أعداء المملكة فقط.
الشيخ محمد العريفي تساءل: "15 مقالا مُحرضا لصحفيين يهاجمون الهيئة، هل هي صدفة؟"، وتابع: "كيف اتفقوا؟ أو أمر دُبر بليل؟ يُحرضون على جهاز حكومي رسمي!".
وأضاف: "لا بدّ من توافق بين ما يطرحه وزير الخارجية وفقه الله، ذبّا عن المملكة، وردا على الإعلام المغرض، وبين قنواتنا وصحفنا، فجرأة مقدمي برامج وصحفيين باتهام الهيئة والخطباء، أو مناهجنا،
بالداعشية، هو جريمة بحق المملكة، وتشويه لسمعة أهلها".
الداعية سليمان الدويش اتهم بشكل مباشر الإعلاميين الذين يهاجمون "الهيئة"، ويحرضون على الدعاة بـ"الخيانة".
مضيفا عبر "تويتر": "هؤلاء هم الطابور الخامس وعين العدو في بلادنا؛ لذلك يجب الحذر منهم، وفضحهم، وبيان خطورتهم على الدين والمجتمع والدولة".
عضو رابطة علماء المسلمين، الدكتور محمد البراك، غرّد عبر الهاشتاغ قائلا: "هذه حال المنافقين، دائما مع أعداء الأمة ضد دينها ومصالحها، ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون".
الدكتور محمد السعيدي، أستاذ الفقه في جامعة أم القرى، قال: "كأن المقالات اليوم عن الهيئة أكثر منها عن حربنا مع الحوثيين والدواعش وأزمتنا مع إيران، هناك سعي لزعزعة الجبهة الداخلية، ولا نعلم لصالح من".
فيما قال الدكتور ناصر العمر، عضو الهيئة العليا لرابطة علماء المسلمين: "هذا حال المنافقين كل حين، يتربصون بالأمة في أوقات الحروب والأزمات، ويفتّون في عضدها بافتعال المشكلات".
وأكمل العمر: "خيانة المنافقين لأمتهم وبلادهم قديمة تتجدد (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب..).
المفكر الإسلامي، الدكتور عوض القرني، اعتبر أن "نزول هذه المقالات فورا وكثير غيرها في وقت واحد، وبصورة شبه متطابقة، يؤكد أن وراءها جهة واحدة".
الأستاذ الدكتور محمد النجيمي، أستاذ المعهد العالي للقضاء، قال إن "جهاز الهيئة من الأجهزة المهمة والأساسية في أي دولة مسلمة، والنيل منه وتصغير وتسفيه عمله، اعتداء على شعيرة من شعائر الإسلام".
وأضاف: "دأب بعض الكتاب على مهاجمة الهيئة وتضخيم أخطائها، بل دعا بعضهم إلى إلغائها، وهذا من العدوان الذي لا يرضى به مسلم ولا عاقل".
يشار إلى أن صحفا سعودية نقلت على لسان هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قولها إن الرئيس العام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله السند أعفى الشيخ عبدالله بن صالح الفواز من منصبه مديرا عاما للهيئة في منطقة الرياض، وعيّن بدلا منه الشيخ تركي بن عبدالله الشليل.
الشليل الذي يشغل منصب المتحدث الرسمي باسم "الهيئة"، قال في تصريحات صحفية إن "الهيئة ترحب بالطرح والنقد البناء الذي يقصد به التقويم والتصحيح".
وبعد تشديده على أن "الهيئة" تسير على مبدأ الستر في القضايا التي تتعامل معها (الأخلاقية، وغيرها)، قال الشليل إن "عدد الوقائع التي ثبت فيها التجاوز من قبل منسوبي الهيئة لا يشكل إلا نسبة ضئيلة، وفق دراسة علمية متخصصة أعدها وأنجزها معهد البحوث والخدمات الاستشارية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية خلال ثلاث سنوات".
ونوّه الشليل إلى أن الهيئة تعمل على تطوير منسوبيها، من كافة النواحي، مضيفا: "قامت الرئاسة العامة للهيئة بإجراءات تطويرية لعملها الميداني عبر فروعها المنتشرة، من خلال حزمة من البرامج التدريبية والتطويرية، التي من أبرزها الدبلوم التأهيلي للأعضاء المستجدين لمدة عام كامل قبل ممارستهم للعمل الميداني".
يشار إلى أن "
عربي21" لا يمكنها التأكد من صحّة المعلومات الواردة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.