تمر على السوريين في مثل هذه الأيام ذكرى "مجزرة حماة"، التي ارتكبها النظام السوري في مدينة حماة، عام 1982، وقتل بها أكثر من 30 ألف شخص، وفق تقديرات منظمات حقوقية، بينما لا زال النظام يواصل ارتكاب مجازره في كل مناطق سوريا، بعد 34 عاما من "حماة".
وبدأت مجزرة حماة في 2 شباط/ فبراير عام 1982، واستمرت 25 يوما، حتى 27 شباط/ فبراير من العام نفسه، ارتكب النظام خلالها ما لا يقل عن ثمانية مجازر كبيرة، أبرزها مجزرة جنوب الملعب البلدي، ومجزرة حي الدباغة، ومجزرة حي العصيدة.
وقتل في المجزرة التي أشرف عليها بشكل مباشر رئيس النظام الراحل حافظ الأسد، ونفذها شقيقه رفعت، ووزير الدفاع حينها مصطفى طلاس، ما لا يقل عن 30 ألف شخص خلال أقل من شهر، بحسب تقديرات "اللجنة السورية لحقوق الإنسان"، فيما لم يعرف مصير أكثر من 10 آلاف شخص بعد.
مجازر جماعية
وبدأت المجزرة مع قصف مكثف للمدينة بشكل مركز من البر والجو لمدة أربعة أيام، قبل اجتياح المدينة بقيادة رفعت الأسد، الذي وضعت تحت إمرته قوة تضم 12 ألف عسكري، من عدة قطاعات عسكرية، أبرزها: سرايا الدفاع - وهي قوة نخبة من الطائفة العلوية كلها -، واللواء 47 دبابات، اللواء الميكانيكي21، فوج الإنزال الجوي 21 (قوات خاصة)، بحسب موقع "أورينت. نت" المعارض.
وبعد التمهيد، قامت السلطات بحملة على مدار أسبوعين داهمت خلالها المنازل واحدا تلو الآخر تخللها موجة اعتقالات جماعية، وارتكبت فظائع بحق المدنيين حيث تعرضوا لعمليات قتل جماعية على أيدي رفعت الأسد ورجاله فنسفت بيوت كاملة، وتسلى الجنود بقنص الهاربين، وقتل أولادهم أمام أعينهم قبل الإجهاز عليهم.
وارتكبت عدد من المجازر الجماعية، أبرزها مجزرة حي "حماة الجديدة"، التي جمع بها الأهالي في الملعب البلدي، وتم نهب بيوتهم، ثم قتل قرابة 1500 شخص منهم بنيران الرشاشات؛ ومجزرة حي "سوق الشجرة"، التي قتل بها 160 مواطنا، رميا بالرصاص أو دفنا تحت الأنقاض، وحُشر 70 آخرون في متجر لبيع الحبوب، جرى بعدئذ إشعال النار فيه؛ ومجزرة "حي البياض" التي شهدت قتل 50 من المواطنين، بحسب مقال للكاتب صبحي حديدي، في صحيفة "القدس العربي".
شهادات مروعة
وشهدت المجزرة أشد أنواع الانتهاكات، إذ تروي فتاة حموية، تحت اسم "حموية حرة"، عدة شهادات من هذا النوع لموقع "أورينت .نت"، وكان عمرها 14 عاما أثناء حصول المجزرة.
وتروي "حموية حرة" قائلة، نقلا عن صديقة لها، كيف قتل إخوانها الشباب الأربعة، قائلة: "أخرجوهم جميعا ليقتلوهم أمام أعين والدهم، ثم سألوا الوالد أي الشبان أحب إليك؟ والسلاح في رأسه، فقال: الأكبر.. فقتلوه أولا،، والأصغر كان ذا أربعة عشر عاما، أخفته أمه بين النساء ووضعت وشاحا على رأسه لتخفيه من أعينهم، فرآه أحد الجنود، وسحبه من بين يديها ليقتله وهي تتوسل إليه بأن يبقيه لها".
كما نقلت عن صديقة أخرى لها: "دخل الجنود على بنايتهم وأنزلوا كل العائلات للقبو، وضعوا كل خمسة أشخاص في مقعد واحد، ليفتحوا عليهم نيران رشاشاتهم، لم يميزوا بين امراة أو طفل أو شيخ"، مضيفة أن أم صديقتها كانت حاملا، فبقروا بطنها قائلين: "اقتلها يلي بطنها رح يطلع إخونجي".
واضطرت صديقة "حموية حرة"، للتمثيل بأنها ميتة بين الجثث التي رماها جنود النظام فوق بعضها، وبدؤوا يسرقون مصاغ النساء، وتقدموا من صديقتي يريدون الحلق التي في أذنها، لم يستطع فكها فسحبها بكل قوته، ولازالت الطفلة تمثل دور الموت ولم تتحرك، لتكمل حياتها وتعاني من مرض نفسي.
تعتيم إعلامي
وعتم النظام السوري بشكل كامل على المجزرة، إذ لم تخرج أي شهادات أو صور من حماة، إلا بعد ارتكاب المجزرة ونهايتها بأسبوعين، وكان أولها لمراسل صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية سورج شالاندون، تحت صفة "باحث في الآثار"، الذي قال في ملفه عن حماة إن "الأموات أخذوا يُعدّون بالآلاف أوّلاً، ثمّ بالمئات، ثمّ بالآلاف خلال الساعات الأولى فقط"، مضيفا: "أما الأموات فإن أهاليهم يدفنونهم بسرعة، إذا أمكن، فيما أصبح يطلق عليه اليوم مقبرة الشهداء في الزاوية الكيلانية، والتي تم نسفها كلياً فيما بعد".
كما تمكن الصحفي البريطاني روبرت فيسك، من زيارة حماة بعد المجزرة، قائلا في كتاب له: "كنت شاهد العيان الغربي الوحيد لحصار حماة، وهي وإن كانت أسرع زيارة وأقصرها؛ لكنها كانت كافية لتثبت أن القتال كان لا زال مشتعلاً على درجة كبيرة، وتشترك فيه عدة ألوية، وأن عدد الضحايا يجب أن يكون ضخما"، واصفا ما يجري بأنه "شيء رهيب"، مقدرا أعداد القتلى بحدود الـ10 آلاف، وبعض التقديرات جعلت القتلى بحدود الـ20 ألفا.
وتحدث فيسك عن زيارته لحماة قائلا إن "المدينة القديمة، وأسوارها وشوارعها الضيقة، ومتحف قصر العظم قد اختفت كلها، والمشاهد الأثرية القديمة دكت وسويت بالأرض، وأصبحت موقفاً ضخماً للسيارات".
حماة تتكرر
وتأتي الذكرى الـ 34 للمجزرة في حين يعيش السوريون مجازر يومية في ظل نظام
بشار الأسد، ابن حافظ، الذي قام بالمجزرة الأولى.
واستذكر المغردون المجزرة على وسم "حماة لن ننسى"، مقارنين إياها بما يجري حاليا في
سوريا من قصف كثيف للنظام، مدعوما من روسيا وإيران وحزب الله، وصمت العالم، رغم وجود تغطية عالمية، بعكس ما كان يجري في حماة.
وقال الناطق الإعلامي لحركة الإخوان المسلمين في سوريا عمر مشوح، إن "من عايش وقرأ عن تدمير حماة فلن يستغرب ما يفعله النظام الآن.. حماة اكتشفت شعار (الأسد أو نحرق البلد) منذ 34 عاما"، في حين قال الناشط السوري ياسر سعد الدين، نجل المراقب العام للإخوان المسلمين، حينها، عدنان سعد الدين: "صمتنا عن تدمير حماة فدمر المجرمون سوريا بعد سنوات"، معتبرا أن "السكوت عن تدمير سوريا سيقود لكوارث وتدمير يشمل ممالك ودولا".
وقال الكاتب السوري محي الدين اللاذقاني إن "من سكت يوم حماة يدفع الثمن اليوم"، في حين قال الكاتب الموريتاني محمد مختار الشنقيطي إنه "كلما تأجل دفع ثمن الحرية كان الثمن أفدح. السكوت على مذبحة حماه 1982 قاد إلى مذبحة أفظع في سوريا اليوم. على الجميع أخذ العبرة".
بدوره، استذكر الكاتب ياسر الزعاترة المجزرة بقوله: " في مثل هذه الأيام قبل 34 عاما، كانت المجرزة الشهيرة في مدينة حماة. آه كم ولغ آل الأسد في دمائنا من يومها ولغاية الآن".
لن ننساكم لأن الظلم والقهر ما يزال يأكلنا وينهشنا، لن ننساكم لأن المذابح تفرخ مذابح، ولأننا مازلنا نعيش تحت مبضع القاتل، لن ننساكم لأن الموت الذي يجتاحنا ، الموت الذي لا يتوقف يريد تحويلنا إلى مجرد أرقام واشباح تعيش تحت نير العسف والعبودية أو الخوف من القتل، لن ننساكم حتى لو نسينا أنفسنا ووجوهنا وايدينا. سليمان بن خالد الصليعي الحراكي