المعطيات الراهنة على الأرض بعد 100 يوم من عمر هذا التدخل تشير إلى تغير كلي في المشهد العسكري، وخصوصا فيما يخص فصائل المعارضة التي انتقلت من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع، بعد تلقيها لمجمل الغارات الروسية التي بلغ تعدداها 1362 غارة جوية خلال 100 يوم، بحسب دراسة قام بها مكتب المعلومات الجغرافية في وزارة الاتصالات التابعة للحكومة المؤقتة السورية.
وفي حين اعتبرت الدراسة أن
روسيا لم تحقق مكاسب على الأرض، بالنظر إلى التكلفة العالية التي تقدر بـ400 مليون دولار يوميا، يرى المعارض السوري حبيب صالح أن الروس حققوا إنجازا على مستوى حصاد المكاسب الإقليمية و"اللعبة الأممية"، مضيفا أن "أهم الثمار التي جنتها موسكو من وراء تدخلها يتمثل بتحييد تركيا الطرف الفاعل الإقليمي، والآن جهودهم منصبة على تحييد إيران، وحزب الله".
وتابع حبيب، في حديث لـ"
عربي21": "كان النجاح الروسي لافتا أيضا في مجال الابتزاز الدولي، واستطاعوا إبعاد شبح العقوبات الاقتصادية الغربية عنهم، لكن ومع كل ذلك، لا نستطيع إلا أن نرى فشلهم أيضا في واحد من أهم الأهداف التي تسعى لها موسكو، وهو تسويق السلاح الروسي للعالم، فالذخائر القديمة لا تتناسب مع المقاتلات الحديثة كما كان واضحا في المعارك، فضلا عن فشلهم الأخلاقي كمحتلين"، وفق تقديره.
الفشل في تسويق روسيا لسلاحها الذي تحدث عنه صالح لا يراه رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق، فؤاد إيليا، إلا واحدا من جملة أهداف عجزت موسكو عن تحقيقها، وقال لـ"
عربي21": "لم تنجز روسيا على الأرض إلا المزيد من قتل الأبرياء"، وتابع متسائلا: "وهل هذا إنجاز؟".
ولا يتفق إيليا مع القول بأن روسيا استطاعت الحد من الدور التركي في
سوريا، لكنه يرى في ذلك مطلبا أمريكيا برعت تركيا في تنفيذه، موضحا أن "الولايات المتحدة تحاول الإمساك بالعصا من المنتصف، فهي لن تسمح بكسر المعارضة، كما لن تسمح أيضا بكسر النظام، ولذلك فهي مقدرة لقوة الروس الهشة على الأرض، والتي لن تستطيع إحداث تغير على الأرض"، على حد تقديره.
أما المحلل والمراقب السياسي عبو الحسو فقد تطرق إلى المنطقة الآمنة التي كانت تركيا تريد إقامتها، والتي أجّل قيامها التدخل الروسي وإسقاط الطائرة الروسية، كما يقول.
وأضاف الحسو لـ"
عربي21": "لو أردنا وضع عناوين للفترة التي تلت التدخل الروسي في سوريا، فحينها ستكون على الشكل الآتي: انتقال الثوار وخصوصا في حلب من الهجوم إلى الدفاع، ومن ثم تقوية وتثبيت النظام سياسيا، وزيادة معاناة المدنيين في المناطق المحررة".
ويوضح الحسو أن الضربات الروسية ساهمت في زيادة معدلات النزوح السورية سواء باتجاه تركيا، أو باتجاه البلدان الأوروبية.
وقال: "روسيا تحاول إعادة صياغة التاريخ، وتحديدا إلى حقبة اتفاقية سايكس بيكو، فهي كانت خارج المعادلة حينها، ولذلك تحاول فرض نفسها كأحد أبرز الأطراف الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط"، وفق قوله.
ويستطرد الحسو قائلا: "لم يكن الدور الروسي فاعلا على الرغم من بعض الاتفاقيات التي أبرمتها مع أنظمة حكم في المنطقة، والآن هي تفرض وجودها لمئة سنة قادمة في المنطقة، ولذلك هي دخلت بكامل قوتها العسكرية والمالية".
من جانبه، يعتقد الناطق السابق باسم هيئة قوى الثورة في حلب، ياسر الحجي، أن أهم إنجاز استطاعت روسيا جنيه من وراء تدخلها؛ هو إعادة تأهيل النظام السوري من خلال إنعاشه عسكريا وسياسيا.
وقال لـ"
عربي21": "اليوم يتم الحديث دوليا عن تساوي بالقوة بين طرفي الصراع، أي (الجيش) الحر والنظام. يقولون إن النظام يسيطر على 18 في المئة من الأراضي السورية، والمعارضة تسيطر على 14 في المئة من الأراضي، وباقي الأراضي تحت سيطرة فصائل أخرى".
وبالتالي، يختصر الحجي الغاية من التدخل الروسي بتقوية موقف النظام التفاوضي. ويقول: "لقد فرضت روسيا مصالحها بقوة على أي نظام سياسي سيقوم في سوريا، وبدلا من أن تكون في موقف استرضاء النظام الذي سيحكم البلاد للحفاظ على مصالحها مستقبلا في سوريا، هي ضمنت وجودها بقوة"، وفق تعبيره.