قدم مدير برنامج الأبحاث التركية بمعهد واشنطن، سونر جاغابتاي، قراءة تحليلية للسيناريوهات المحتملة للتصعيد بين
روسيا وتركيا على إثر إسقاط الأخيرة للطائرة الروسية وما تبعها من تصاعد في الأزمة بين الطرفين وصل حد التلويح بخيارات عسكرية تتجاوز التصريحات الدبلوماسية المتشنجة بين البلدين بعد الحادث.
وقال جاغابتاي في مقال نشره موقع المعهد الالكتروني، إن أنقرة ستكون خلال الأيام القادمة عند منعطف قرار أساسي في السياسة الخارجية يتمثل في أنه "عندما يعلو صراخ روسيا، تتحرّك
تركيا".
وفي رؤيته للمشهد بكليته نوه إلى أن روسيا قد تطلق في الأيام المقبلة مجموعة خطوات انتقامية مصمّمة لإذلال أنقرة.
وشدد أن روسيا ستستهدف شمال غرب سوريا بقوّة متزايدة لاستئصال المتمرّدين الذين تدعمهم تركيا، منوها إلى أن "حلم
بوتين اليوم هو إخراج هؤلاء المتمرّدين من سوريا، ما قد يعني هزيمة كاملة لسياسة أنقرة السورية. ومن المحتمل أن يخلق ذلك موجة جديدة كثيفة من اللاجئين، ما سيزيد من العبء الحالي الذي تحمله تركيا المتمثل بحوالي 2.5 مليون لاجئ".
وفي خيار آخر قد تتخذه روسيا، أكد جاغابتاي أن روسيا ربما تلجأ إلى حرب غير متناسقة ضدّ أنقرة، ما قد يعني، لسوء حظ تركيا، دعما لـ"حزب العمّال الكردستاني" الذي تحاربه أنقرة.
خيار ثالث أشار له الكاتب، قائلا: "كما قد تؤمّن روسيا الأسلحة لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي"، وهو الفرع السوري من "حزب العمّال الكردستاني"، الذي يهدف إلى احتلال حوالي 60 ميلا من الأراضي (ممرّ جرابلس- أعزاز) على طول الحدود التركية السورية لوصل الموقعَين في شمال سوريا. ستسمح مساعدة روسيا لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" بإنشاء نطاق على امتداد 400 ميل موالٍ لـ"حزب العمّال الكردستاني" يصل تركيا من الجنوب، وذلك بدعم موسكو".
ونوه جاغابتاي إلى أنه إذا تفاقمت الأزمة الروسية التركية، سينتج عن ذلك تشعّبات خطيرة: إذ ستردّ تركيا على الخطوات الروسية بخطوة تاريخية محتملة.
ودعا الكاتب واشنطن لكي تتحضّر لخطوات تركيا المحتملة. فبعد عقد من محاولة أنقرة أن تصبح لاعبا شرق أوسطيا بنفسها، قد تجد تعزيتها في تحالف الناتو عندما تواجه الخطر الروسي التاريخي، وستميل أكثر نحو الولايات المتحدة.
وأوضح أنه كاحتمال بديل، قد تحاول تركيا الردّ ضدّ خطوات موسكو، مصعّدةً الحرب في سوريا من خلال حمل آسيا الوسطى، والشيشان، ووكلاء من شمال القوقاز على المحاربة ضدّ روسيا في سوريا. إنّ هكذا سياسة قد تجد صداها لدى القوميين الأتراك والدوائر الانتخابية الإسلامية في إدارة
أردوغان وداوود أوغلو في أنقرة، ما سيعزّز اندفاعهم إلى سياسة خارجية ذات سيادة مطلقة.
تحليل للمواقف
وقال جاغابتاي: "يمكن تفسير موقف تركيا العدائي تجاه روسيا من خلال الحرب في سوريا حيث تطرح أنقرة وموسكو سياستان متناقضتان تماما. فمنذ عام 2011، كانت لسياسة تركيا تجاه سوريا فكرة واحدة وهي: الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي، وعلى العكس من ذلك، نجحت روسيا في دعمه. وحتى الآن، فشلت سياسة أنقرة تجاه سوريا ونجحت موسكو".
وتابع أنه مع دعم روسيا للأسد في سوريا، من الواضح أنّ نظامه لن يسقط. ولم تعترف أنقرة حتّى الآن بفشلها علناً، إلا أن تركيا قد خفضت في الواقع من حدّة سياستها تجاه سوريا.
وشدد الكاتب على أن هدف سياسة تركيا تجاه سوريا اليوم هو حفظ مكان لأنقرة على الطاولة عندما تعقد المفاوضات للبحث في مستقبل سوريا. وسيحصل ذلك فقط إذا حافظ المتمرّدون المدعومون من تركيا على المناطق الاستراتيجية في شمال غرب سوريا، مما يعطي معنى إضافيا للضربات الجوّية الروسية الأخيرة ضدّ هؤلاء المتمرّدين. وتهدّد مثل هذه الضربات بإضعاف هذه الجماعات المتمرّدة، وتقوّض بالتالي سياسة تركيا تجاه سوريا التي خُفّض سقفها مؤخّراً.
واستدرك جاغابتاي بالقول: "إنّه ذاك الخوف من الاستبعاد من سوريا بفعل الهجمات الروسية على المتمرّدين المنحازين لتركيا هو الذي دفع تركيا إلى اتخاذ موقف عدائي شديد ضدّ روسيا، ما أدّى إلى إطلاق الزناد وإسقاط الطائرة يوم الجمعة الماضي. والسؤال هو: كيف ستردّ موسكو؟ في حين أنّ روسيا هي الجارة الوحيدة التي تخشاها أنقرة بالفعل، يعتبر الروس تركيا مصدر إزعاج تاريخي لا يمكن أن يسمحوا له أن يقف في دربهم ودرب أهدافهم. ولذلك، لن تقبل موسكو بأي شيء أقلّ من أن تتنحّى تركيا في سوريا، بالإضافة إلى اعتذار كامل من أنقرة. وحتى اليوم، إنّ كلا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو قد أبعدا احتمال الاعتذار".