استطاعت محافظة تعز ذات الأهمية الاستراتيجية والواقعة إلى الجنوب الغربي من
اليمن، أن تكشف جانبا من الطبيعة المعقدة للتحالف العربي، الذي تدخل عسكريا وتفاوت حجم تدخله من منطقة إلى أخرى على نحو يشي بتعدد الأجندات لبعض أطراف التحالف إن لم يكن بتناقضها.
يعود جانب من هذا "التباين" في مواقف أطراف التحالف إن صح هذا التوصيف، إلى الموقف العام لتعز، فهي محافظة تقاتل من أجل وحدة اليمن وسلامة أراضيه ومن أجل رسوخ الدولة، وصدق تمثيلها لمكونات المجتمع اليمني، ومن أجل عدالة حقيقة ومواطنة لا تضيق بأي مكون اجتماعي ولا بأي فرد في هذا البلد.
ليس لهذه المحافظة أجندة خاصة، ولا يمكن لها أن تصف إلى جانب أي مشروع لا يحفظ للهوية اليمنية حضورها ورسوخها في عمق هذا البلد وفي المنطقة.
عند الأطراف الجنوبية لمحافظة تعز، وبالتحديد عند منطقة "الشريجة" وهي مركز حدودي سابق تابع لمحافظة تعز، ولا يبتعد كثيرا عن مدينة الراهدة ثالث أهم مدينة في المحافظة، عند هذه المنطقة توقفت قوات الجيش الذي يدين بالولاء للسلطة الانتقالية، ومعه مجاميع من المقاومة التي توصف بأنها "جنوبية".
لم تتوقف الحرب عند هذه المنطقة فحسب، بل إن إصرار المقاومة الجنوبية على التوقف عند الحدود الشطرية هو الذي أدخل معركة تعز في مأزق حقيقي، لأن الأسلحة التي قدمها التحالف لدعم هذه المعركة وقعت بأيد المقاومة الجنوبية، علما بأن تدخل
التحالف العربي جاء من أجل استعادة السلطة الشرعية للجمهورية اليمنية وليس من أجل استعادة النصف الجنوبي من هذه الجمهورية.
هناك معلومات لم يتسن التأكد من صحتها، تفيد بأن تغييرات طرأت على المهام القيادية للقوات التي دفع بها باتجاه تعز، وقد توكل مهمة قيادة هذه القوات لقائد تحرير عدن وأبين العميد عبد الله الصبيحي.
إن حدث هذا، فقد تنطلق المعركة من جديد وتستعيد منطقة الشريجة للمرة الثانية، خصوصا وأنه قد جرى التخلص من كثير من الألغام التي زرعتها قوات المخلوع صالح ومليشيا الحوثي في هذه المنطقة.
جزء من الألغام التي وضعت في طريق الحملة العسكرية المكلفة بتحرير تعز، كانت سياسية ومن صنع أحد أطراف التحالف العربي الرئيسيين وهي الإمارات العربية المتحدة، التي ذهبت بعيدا في تبرير عدم تقدم القوات باتجاه تعز، وعزته إلى ما أسماه "تخاذل" التجمع اليمني للإصلاح.
هذا الموقف جاء في سياق حملة منسقة اشترك فيها سياسيون، ووسائل إعلام إماراتية، وانخرط فيها وزير الخارجية اليمني المكلف، رياض ياسين، الذي أظهر ضحالة سياسية لم نكن نتوقعها منه.
عقدة الصراع مع الإخوان المسلمين يُدخل التحالف العربي بكل تأكيد في مأزق أخلاقي، لأنه إن استمرت نظرة الإمارات إلى طرف أساسي في جبهة المواجهة مع الانقلابيين، وهو الإصلاح، بهذا القدر من الحدة والعناد والإقصاء، غير المبرر، فإن نتيجة المعركة ستكون بنفس القدر من السوداوية، التي خلفها انقلاب المخلوع صالح ومليشيا الحوثي اللذان قررا بمباركة إقليمية حينها، تقويض الحياة السياسية والشراكة الوطنية وتجريف الحياة السياسية؛ لتبدو بهذا القدر من البؤس والخطورة على الأمن الإقليمي.
المجتمع اليمني الذي يقاتل مليشيا طائفية متعصبة ومرتبطة بالمشروع الإيراني، لا ينتظر من التحالف أن يُدخله في حلقة صراع جديدة مفرغة بين مكوناته السياسية والاجتماعية.
هذا على الأقل يتناقض تماما مع كل المرجعيات التي قامت عليها عملية التسوية السياسية، فما يحتاجه اليمن هو الوفاق والتعايش والمواطنة المتساوية.
لا نريد من التحالف العربي أن يستجلب الدرس المصري السيئ إلى اليمن، فالانقلاب الذي استهدف مكونا سياسيا كبيرا هو حزب الحرية والعدالة، المحسوب على "الإخوان المسلمين" لم ينجح في إنهاء الوجود السياسي والاجتماعي لهذا المكون، وكل ما عمله هو أنه عطل الحياة السياسية، وأفسدها، فيما بقي المشهد ملتهبا وعصيا عن السيطرة والنتيجة أن مصر تحولت إلى دولة هامشية في المنطقة دورا وحضورا.