علقت مجلة "إيكونوميست" البريطانية في تقرير لها على التطورات الأخيرة في الضفة الغربية والقدس.
وتقول المجلة: "شعر الشبان الملثمون المسلحون بالحجارة وبقناني المولوتوف أن لديهم فرصة لاستخدامها، عندما تدفقوا نحو حاجز للجيش
الإسرائيلي خارج مدينة رام الله، يستخدمه المسؤولون
الفلسطينيون والزوار من الشخصيات المهمة. وعادة ما تقوم الشرطة الفلسطينية بوقف المتظاهرين ومنعهم من التقدم، فعلى بعد مئة متر أو أكثر على الطريق يقع مدخل بيت إيل، وهي مستوطنة إسرائيلية يقيم فيها الحاكم العسكري على الضفة الغربية. ولكن في الأسبوع الماضي اختفت الشرطة، وقال متظاهر: (لم يعد
عباس يحمي حاجزه). وبالتأكيد، يبدو رئيس السلطة الوطنية محمود عباس، وبشكل متزايد، ليس ذا أهمية مع اجتياح العنف إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة".
ويشير التقرير إلى أن الاحتجاجات بدأت في أيلول/ سبتمبر بالتوتر حول المسجد الأقصى، حيث يعتقد اليهود أن المسجد بني على أنقاض الهيكل المدمر. وقد قتل أربعة إسرائيليين، وجرح أكثر من 30 شخصا في هجمات متفرقة الشهر الماضي. وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وقع حادثا طعن في يوم واحد في مدينة القدس، يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر. وقتل عشرات الفلسطينيين، وجرح أكثر من 1300 في المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين داخل إسرائيل والضفة والقطاع.
وتعلق المجلة قائلة: "ربما كان من أكثر الملامح المثيرة للدهشة في العنف الحالي، هو غياب الجهة المنسقة، خلافا لما جرى في الانتفاضتين السابقتين، فقد تم توجيه الأولى التي بدأت في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، واستخدمت الحجارة، والثانية التي بدأت عام 2000، واستخدمت السلاح والعمليات الانتحارية، فكانت هناك فصائل سياسية توجههما. أما اليوم فإن المجتمع الفلسطيني مشتت، والفصائل منشغلة بقتال بعضها البعض، حيث تسيطر حركة رئيس السلطة على الضفة الغربية، أما حركة
حماس المتشددة فتدير غزة. وكلاهما يدير دويلة صغيرة مثل الديكتاتوريين، وتهددان المنظمات غير الحكومية، وتعتقلان الصحافيين الذين ينتقدوهما".
وتمضي المجلة قائلة: "رغم الحديث كله عن
انتفاضة ثالثة، إلا أنه ليس هناك من يقودها. وهو ما يجعل أعمال الشغب صغيرة نسبيا، وهو ما منع تحول عمليات الطعن إلى هجمات قاتلة. ويخشى عباس، الذي انتهت مدته الانتخابية عام 2009، من تطور الاضطرابات في الضفة الغربية، وتهديد حكمه الضعيف. ولهذا فقد خفف من لهجته في تصريحاته التي نقلها الإعلام الرسمي، ولم يشجع الموظفين المدنيين على الاحتجاج".
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "حركة حماس، التي شعرت بوجود فرصة لإضعاف منافسها، كانت على خلاف عباس منتشية في مديحها للهجمات. وقال قائد الحركة في غزة إسماعيل هنية في خطبة الجمعة إن عمليات الطعن هي بالتأكيد بداية لانتفاضة ثالثة. وبعد ساعات قليلة زحف مئات من الغزيين باتجاه الحدود المحمية بشكل قوي، وأطلق الجنود الإسرائيليون النار وجرحوا العشرات. ومن ثم قام متشددون بإطلاق صواريخ عبر الحدود، وردت إسرائيل بهجمات جوية انتقامية، وقتلت امرأة حاملا وابنتها الصغيرة".
وترى المجلة أن هذا الحادث كان من أسوأ أحداث العنف منذ الحرب المدمرة في صيف عام 2014. لكن حركة حماس تحاول تهدئة الأمور. وقال المتحدث الرسمي باسمها، سامي أبو زهري: "تحذر الحركة إسرائيل من استمرار هذا النوع من الحماقة". مشيرة إلى أن الرسالة المتضمنة كانت واضحة، ومفادها أن حركة حماس قد تكون راغبة بالتصعيد، ولكن ليس على أراضيها.
ويتحدث التقرير عن موقف الفلسطينيين في الداخل، ويقول إنه "حتى الـ 1.7 مليون من العرب داخل إسرائيل فهم منقسمون بشدة. فقد حدثت احتجاجات عنف من حيفا إلى الناصرة، ومعظم المهاجمين كانوا مواطنين إسرائيليين. ويدعو الناشطون إلى إضراب عام في 13 تشرين الأول/ أكتوبر. ومع ذلك، فإن هناك الكثيرين داخل المجتمع يخشون من الآثار الاقتصادية إن طالت الاضطرابات. ويخشى سكان القدس الشرقية المحتلة من العمل في ورديات ليلية في غرب المدينة؛ خوفا من المتطرفين اليهود، الذين قاموا باستهداف محطات الوقود وسائقي السيارات. وقد خفف التوتر في يافا من الازدحام أمام مطعم حمص أبي حسن، الذي يرتاده اليهود والعرب".
وينقل التقرير عن صاحب محل مواد بناء في شارع يافا الرئيس، يدعى صابر السواعيد، قوله: "ستكون هناك مشكلة لو توقف اليهود عن المجيء إلى هنا". ويضيف السواعيد: "أنا لست خائفا على نفسي، ولكن على مصلحتي".
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالإشارة إلى أن "الانقسام الداخلي قد يؤدي إلى منع تصعيد العنف. وفي اتجاه آخر قد يمنعه من التوقف. فمعظم المهاجمين ليست لديهم سجلات إجرامية أو صلات بجماعات مسلحة. ويشكو النواب الإسرائيليون يوميا من التحريض الذي تمارسه الفصائل الفلسطينية. ولكن المشكلة الأكبر هي أن هذه لا تؤثر إلا تأثيرا قليلا على ما يجري".