مقالات مختارة

«أفران صهر» المحتجزين في مصر

محمد سعد عبدالحفيظ
1300x600
1300x600
«شبرين وقبضة»، لا تطمع في مساحة أكبر من تلك لو قادك حظك العثر وتم احتجازك في أي قسم شرطة لأي سبب.. إن كنت من سكان الأقاليم فعليك أن تحمد الله، فاحتمالية خروجك من الحجز على قدميك واردة، أما لو كنت من سكان العاصمة فعليك أن تكتب وصيتك وأنت في الطريق إلى القسم، لأنه لن يخصص لك إلا «شبر ونص» ــ أقل من 50 سم، نظرا للتكدس الشديد الذي تشهده «حجوزات» أقسام القاهرة.

النوم في الحجز، يتم وفقا لورديات تراعي الأقدمية، وبما أنك مستجد فوردية نومك ستكون بالنهار.. لك أن تتخيل إمكانية النوم فى غرفة يتنفس فيها عشرات النزلاء وينفسون دخان سجائرهم، ويقضون حاجتهم بدورة مياه فى أحد جنباتها.

شهر أغسطس يحول تلك الغرف التي تخلو من أي وسيلة تهوية، اللهم فتحة لا تتجاوز الـ 70 سم إلى أفران لا يحتمل لهيبها بشر، وبالطبع لا يمر هذا الشهر من كل عام دون سقوط ضحايا من المحتجزين.

في أقل من عشرة أيام توفي نحو 11 محتجزا بأقسام الإسكندرية وشبرا وجرجا وكوم أمبو، أسباب الوفاة المعلنة تنوعت لكن التقارير الطبية أثبتت أن معظم المتوفين ارتفعت درجة حرارتهم بسبب سخونة الجو وسوء التهوية، فضلا عن أن بعضهم مصاب بأمراض مزمنة كالقلب والسكر والضغط.

فى مايو الماضى حذر المجلس القومي لحقوق الإنسان في تقريره من «التكدسات المخيفة من المتهمين في الأقسام»، التىيتصل إلى نحو 300% وفقا للتقرير. أعضاء المجلس لاحظوا خلال الزيارات التي أجروها إلى بعض أقسام ومراكز الشرطة بالقاهرة، أن أعداد المحتجزين لا تتناسب على الإطلاق مع مساحة عنابر الاحتجاز، وعلى سبيل المثال فإن نصيب المحبوس الواحد داخل قسم شرطة العجوزة كان أقل من نصف متر مربع، وفقا لما أورده تقرير المجلس الذى تسلمت وزارة الداخلية نسخة منه نهاية مايو الماضي.

بعدها بأيام أمر النائب العام الراحل المستشار هشام بركات، بالتحقيق في المخالفات التى رصدتها جولات التفتيش المفاجئة لأعضاء النيابة العامة على عدد من أقسام الشرطة خلال شهر أبريل، وكلف وزارة الداخلية بـ«تلافي تلك المخالفات وإخطاره بإجراءاتها في هذا الشأن».

التقارير التي رفعت إلى النائب العام الراحل، رصدت مخالفات بالجملة داخل أقسام الشرطة، أبرزها عدم توافر التهوية والإضاءة الكافية بغرف الحجز، وأجمعت على أن كثافة عدد المتهمين لا يتناسب مع مساحة الغرف، وهو ما يعرض حياة المحتجزين للخطر.

بعد صدور تقريرى المجلس القومى لحقوق الأنسان، والنيابة العامة افتتحت وزارة الداخلية سجنا جديدا بمدينة 15 مايو، ووعدت ببناء سجنين جديدين فى منطقتى السلام والنهضة لاستيعاب زيادة أعداد المساجين بأقسام الشرطة، وشددت على أنها ستعيد النظر فى أوضاع الحجوزات وستزودها بـ«مكيفات وشفاطات ومراوح ومبردات مياه»، حفاظا على حياة المحتجزين قبل دخول فصل الصيف.

مات هشام بركات، ودفن معه تقرير مخالفات الأقسام، ولا نعلم إلى أين انتهى التحقيق الذى بدأه النائب العام الراحل، ولحقه تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان عن القضية ذاتها، وبقيت أحوال حجوزات الأقسام غير الآدمية كما هي.

مسلسل سقوط ضحايا «أفران الصهر» لن ينتهي إلا باستكمال النيابة العامة «محامي الشعب» ما بدأته في أبريل، بتشديد الرقابة على الأقسام، وإحالة كل من يستهتر بالحق في الحياة إلى المحاكمة العاجلة، وأن يستجيب أعضاؤها إلى مناشدات المجلس القومي لحقوق الإنسان بتقليص قرارات الحبس الاحتياطي، واستبدالها بالضمانات الشخصية والمالية فى الجرائم البسيطة.



(نقلا عن صحيفة الشروق المصرية)
التعليقات (0)