كتاب عربي 21

استبدال العملة السورية (آخر مسمار في نعش النظام أم المواطن)

راميا محجازي
1300x600
1300x600
صدر عن بعض من الفصائل الثورية و المحاكم القضائية التابعة للمعارضة السورية وتحديدا ما يسمى "اللجنة السورية لاستبدال عملة التداول في المناطق المحررة" بيان أعلنت من خلاله البدء بتطبيق قرار يقضي بتبديل العملة السورية بنظيرتها التركية، وتداولها كعملة رسمية في المناطق المحررة من الشمال السوري. جاء هذا البيان بعد مشاورات عقدتها نقابة الاقتصاديين السوريين التابعة للمعارضة السورية في العاصمة الاقتصادية حلب، وشارك فيه عدد من أعضاء مجلس محافظة حلب الحرة، وجبهة علماء بلاد الشام، وبعض النشطاء والإعلاميين من أجل بحث التداول بالليرة التركية بدلا من السورية في المناطق التي تسيطر عليها المقاومة شمالي البلاد. 

وحسب التصريحات التي خرجت من الجهات المسؤولة عن هذا القرار، فإن الهدف المباشر وراء هذه العملية هو الضغط على نظام الأسد اقتصاديا لحين سقوطه، وإصدار عملة وطنية جديدة. 

أما المبررات التي صدرت لتسويغ هذا القرار يمكن تلخيصها بـ( الحفاظ على أموال الشعب السوري من الضياع نتيجة انهيار الليرة السورية وفقدانها لقيمتها الحقيقية، وارتهان قيمة الليرة بالقرار السياسي الروسي_الإيراني وليس بالاقتصاد المحلي، مما يهدد بفقدان القوة الشرائية وبشكل مفاجئ، وسحب النظام السوري للعملة الأجنبية واستبدالها بعملة سورية ليس لها رصيد، ومحاربة نظام الأسد اقتصاديا عن طريق إيقاف تدفق القطع النقدية الأجنبية إليه عبر التجار في داخل المناطق المحررة، وخلق جو من الاستقرار الاقتصادي في أسعار السلع والمواد في الأسواق، والانهيار الحاد لقيمة الليرة السورية وإنهائها). 

المبادرة دخلت فعليا حيز التطبيق العملي في المحكمة الشرعية، والمجالس المحلية بحلب حيث تم تسليم الرواتب الشهرية للعاملين في القطاعين بالعملة التركية.  

المبادرة لم تكن جديدة بكل تفاصيلها على الساحة السورية حقيقة، فقد حدثت مناقشات واقتراحات مشابهة في عام 2013 أي قبل قرابة العامين، على أساس كون استبدال العملة السورية بأخرى لا يمكن التحكم بقيمتها من الدول المعادية لسياسة الحكومة، وبالتالي تخفف الضغط على سعر النقد، وكان ذلك تحت طلب من حيتان التجارة في سوريا، وذلك رغبة منهم في حماية تجاراتهم واستثماراتهم في الداخل السوري من خطر انهيار الليرة السورية، وعلى الرغم من عناية النظام السوري بحماية فئات المستثمرين والتجار في سوريا، و تشجيعهم و اتخاذ الإجراءات كافة لحمايتهم وتمرير ما أمكن وما لا يمكن من التجاوزات لضمان دعهم لنظام الأسد، إلا أنه عجز عن إرضائهم و مسايرتهم في مثل هذا الإجراء، فاستبدال العملة السورية بأخرى، و بحسب القانون السوري له أسس و شروط و عملية، استبدال العملة لا تتم إلا وفق شروط و حسابات دقيقة، أولها و أهمها أن قرار استبدال العملة يجب أن يكون صاردا عن الحكومة الرسمية للبلاد، كما أنه لا يمكن أن يتم استبدال العملة دون تحديد فترة لا تقل عن ثلاثة أشهر تمكن من خلالها من يمتلك الأوراق النقدية القديمة من استبدالها، ويقوم المصرف المركزي بسحب العملات القديمة و تبديلها بما تعادله من قيمة للعملات الحديثة بشكل مجاني بالكامل، أي دون أن يتقاضي أي أجور، كما تنفذ أحكام التقادم على الأوراق النقدية التي لا تقدم البديل و ترد قيمتها إلى المصرف المركزي. 

لم يصدر القرار بإبدال العملة السورية بأخرى، على الرغم من أن مثل هذا الإجراء يمكن أن يفيد النظام السوري من حيث إحكام ارتباطاته السياسية والاقتصادية بالدولة التي سيتم الاستبدال إلى عملتها، والسبب الرئيسي لامتناعه يعود إلى حجم النتائج الكارثية التي سيتسبب بها هذا الانتقال كفقدان السيادة النقدية، و تهديد للبنك السوري المركزي، وما يتبعه من سحب للسيادة السياسية والعسكرية للنظام، بصورة فعلية، و اليوم نأسف لنشهد اتخاذ مثل هذه الإجراءات من جهات يفترض أن تكون مؤتمنة على مصلحة المواطن السوري، و أرضه و اقتصاده و سيادته، و أن تصدر من جهات محسوبة على المقاومة الشعبية، و إن كنا نرفض لغة التخوين و الاتهامات العشوائية، إلا أننا لا يمكننا أن ننظر إلى مثل هذه الإجراءات إلا ببالغ من التحفظ و القلق، و أن نطرح عليهم التساؤلات التالية. 

على فرض أن هذه العملية ستكون ضربة قاسمة لاقتصاد الأسد و المسمار الأخير في نعشه حسب وصف المروجين لهذه الخطوة! أوليس من حق المواطن السوري المنهك أن يعلم من سيقوم بإعالته في حال انهارت الليرة السورية كليا، ومن هم الخبراء الاقتصاديون اللذين قاموا بدراسة المبادرة وانعكاساتها على المواطن السوري، ومن أي دستور تم استقاؤها؟ وهل يمكن للمواطن السوري المنهك أن يتحمل المزيد من التضييق على لقمة عيشه؟ و ماذا عن التداخل الاقتصادي بين المناطق المحررة و المناطق التابعة لسيطرة النظام؟ ماذا عن موظفي الدولة و الشركات الخاصة التي تعتمد الليرة السورية؟ ماذا عن سيادة النقد السوري؟ وما هي الضمانات التي على أساسها سيتم طرح العملة الوطنية الجديدة ! هل سيتم إصدارها بضمان الاقتصاد الوطني أي بقيمة مساوية لقيمة الإنتاج المحلي المدمر؟ أم بالاعتماد على الاحتياطات الذهبية أو السلع أو العملة الأجنبية !  

عندما تتحكم مبادرات فردية باقتصاد جمهورية، فلا بد أننا أمام كارثة إنسانية واقتصادية في آن معا، وسواء أكانت المبادرات تحمل الغطاء الشرعي أو الدعم الدولي، فهذا لا يعني إطلاقا بأنها قرارات عقلانية وحكيمة، وخصوصا  أننا نعايش اليوم التجربة الفلسطينية.

الاقتصاد الفلسطيني تعرض لخسائر كبيرة نتيجة استخدام عملات أجنبية كالعملة الإسرائيلية والأردنية و الدولار، إسرائيل اليوم تضغط على المواطن الفلسطيني و تضيق الخناق على شعب غزة المحاصر، فالاقتصاد الفلسطيني اليوم للأسف مازال تحت رحمة السياسات الإسرائيلة و خاصة بعد اعتبار قطاع غزة قطاع معادي بالنسبة لإسرائيل. 
 
قد يرفض البعض المقارنة بين المحتل الإسرائيلي و الجار التركي، و لكن التبعية النقدية لتركيا قد تفضي إلى احتلال بوجه مختلف، وسيكون قبيحا بكل تأكيد فلم تعرف الشعوب يوما احتلالا جميلا، و الشعب السوري لم يخرج ضد احتلال عائلة الأسد لأرضه و اقتصاده ليستبدل باحتلال آخر.  

إن استبدال العملة السورية بالعملة التركية سيجر بكل تأكيد تبعية اقتصادية لتركيا، وتشوه بنيوي للاقتصاد السوري، و الشعب السوري لم يخرج ليدمر اقتصاد بلاده و يزرع الفوضى ويحل الدمار، وإنما كانت ثورته لرفع الخناق عن كاهله، و يبني بلده بحرية و عدالة و كرامة إنسانية، أما أن يتحرر من تبعية جبرية لنظام استبدادي ليستبدله بتبعية لأنظمة جديدة فهذا لا مبرر له!  

من المهم أن نذٌكر بأن إلحاق الأذى بالاقتصاد السوري اليوم سيقطع الطريق أمام أي ـأمل في عملة وطنية جديدة واستقلال على أرض سوريا، و من المعلوم بأنه لا يمكن اعتماد عملة وطنية إطلاقا في ظل الصراعات السياسية و انعدام الأمن و الاستقرار، اللذين يعتبران شرطين أساسيين للبدء بصك عملة وطنية جديدة.  

و السلطة النقدية لا بد أن تتمتع بصلاحيات يضمنها القانون و اتباع نظام سعر الصرف الثابت، و خصوصا مع بداية عملية الإصدار في حال كان الهدف حقيقة كسب ثقة المواطن بالعملة الجديدة. 

ما يقلقنا اليوم أن تنعكس نتائج هذا الصراع  لتكون حملات ترويج مجانية للعملة التي قام تنظيم الدولة بطرحها! حتى نصبح لنشهد عملتهم المتداولة مصدر ثقة المواطن السوري كونها تحمل قيمتها من الذهب أو الفضة دون مراهنات لا ضامن لها!  

إن إدارة  النقد لا بد أن تتم بالحكمة و العقلانية والوطنية، و إذا ما اقتضت المصلحة الاقتصادية و التجارية ربط العملة بأخرى، فيجب أن يكون الخيار دون تحيز لأي جهة دولية. 

المنطقة الشمالية اليوم في يد المعارضة السورية، و لكن الصراع لم يحسم بعد، لا المعارضة السورية قادرة على أن تضمن للشعب السوري الحفاظ على مناطقها محررة، ولا النظام قادر على أن يبقي سيطرته على المناطق التي مازالت تحت يده. وعلى الرغم من تفاؤلنا بانتصارات المعارضة المشرفة، في الشمال و الجنوب و الساحل السوري، إلا أننا نطمح إلى سياسة أكثر عقلانية و حكمة و رأفة بالمواطن السوري المنهك.
0
التعليقات (0)