أبدى الكاتب الصحفي
الإسرائيلي ميرون رابورت خشيته من أن استمرار قمع
السيسي لجماعة الإخوان المسلمين، وعدم قدرته على السيطرة على الأوضاع في سيناء وفشله في محاربة
تنظيم الدولة، قد يأتي بنتائج عكسية على التحالف الاستراتيجي بين مصر وإسرائيل، محذرا من خطورة سقوط السيسي على أمن منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
وقال رابورت في مقال له نشره موقع "ميدل إيست آي" ترجمته "
عربي21": "إنه وبالرغم من المكاسب الكبيرة التي حققتها إسرائيل من وصول السيسي لرئاسة مصر؛ فإن سقوطه سيكون كارثيا على إسرائيل"، مستدركا بأن "ذلك لن يكون مشكلة إسرائيل وحدها، وسوف يهز سقوطه أركان الشرق الأوسط بأسره بما في ذلك إسرائيل".
وأكد أن الأمر المقلق والأكثر إلحاحا في الوقت الراهن هو الصعوبات التي تواجهها مصر بينما تسعى لفرض سيطرتها على تنظيم الدولة. فهذا هو المجهول الأكبر الذي يهدد إسرائيل، وخاصة بعد ظهور الجماعة بمحاذاة الحدود الجنوبية.
وشدد على أن كل الحديث المتفائل عن التحالف الاستراتيجي مع مصر لن يكون مفيدا لإسرائيل إذا ما تمكن مقاتلو الدولة الإسلامية من تثبيت وجودهم في سيناء وبدأوا يطلقون الصواريخ بشكل منتظم باتجاه المدن الإسرائيلية. لقد بات هذا الأمر الآن أكثر احتمالا من أي وقت مضى.
ونوه الكاتب إلى أن إسرائيل استفادت بشكل مباشر من قمع السيسي لجماعة الإخوان المسلمين، والأهم من ذلك، استفادت من الرابطة التي أقامها السيسي بين الجماعة وحركة حماس.
وأشار إلى أنه لم يحدث أبدا من قبل أن حوصر قطاع غزة بهذا الشكل الكامل، ولا حتى في زمن مبارك.
وقال الكاتب إن الفوائد التي جنتها إسرائيل لم تقتصر على الجوانب العسكرية، لقد سارعت إسرائيل إلى تبني مشروع وقف إطلاق النار الذي اقترحته مصر خلال الأيام الأولى من حرب عام 2014، وذلك لأنه لم يتضمن أي التزام برفع الحصار عن قطاع غزة.
وقال إنه بالإضافة إلى المكاسب العسكرية والسياسية التي تمكنت إسرائيل من جنيها بفضل الحملة المصرية المستمرة، بل وربما المفرطة، ضد حركة حماس، نشأ في القاهرة خطاب من نوع جديد، بحسب "رابورت".
ونقل الكاتب عن الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية ومحرر موقع "المصدر" الناطق باللغة العربية، شمريت مئير قوله: "في زمن مبارك كانت مصر تتعاون مع إسرائيل إلا أن الخطاب فيها كان معاديا لإسرائيل، بل وحتى مناهضا للسامية. أما في عهد مرسي فكان الخطاب منسجما مع السياسة. وأما في زمن السيسي، فإننا نسمع أصواتا تتحدث علنا بإيجابية عن إسرائيل، وهذا أمر جديد جدا".
وأشار إلى أنه في ضوء هذه التطورات، فإنه يسهل على المرء فهم سبب انضمام الكثيرين في إسرائيل، سواء داخل المؤسسة الحاكمة أم داخل وسائل الإعلام، إلى جلعاد في اعتبار مصر السيسي حليفا استراتيجيا لإسرائيل في الشرق الأوسط.
وتابع الكاتب قائلا، إنه بسبب صعود تنظيم الدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات الجهادية من جهة والصراع مع إيران من جهة أخرى، فقد اندفع كثير من السياسيين والمحللين الإسرائيليين باتجاه اعتبار إسرائيل ومصر جزءا من "التحالف السني" الإقليمي إلى جانب المملكة العربية السعودية ودول الخليج، في مواجهة عدو مشترك، سواء كان ذلك العدو هو إيران أم التطرف الجهادي.
واستدرك بالقول، إنه ربما كان الواقع أكثير تعقيدا من ذلك بكثير، فطبقا لما يقوله إيران إيتزيون، النائب السابق لشؤون تخطيط السياسية داخل وزارة الخارجية الإسرائيلية، فإن هذا التحالف لا يوجد سوى في أذهان من هم على شاكلة جلعاد.
ونقل الكاتب عن إيتزيون قوله: "بالطبع ترغب إسرائيل في بقاء النظام الحالي وفي استمراره، فهو بالنسبة لها أفضل من حكومة مرسي، ولكن أكثر ما يهم إسرائيل هو الحفاظ على الترتيبات العسكرية المتفق عليها ضمن معاهدة السلام، وعلى رأسها إبقاء سيناء منطقة معزولة من السلاح".
وأكد الكاتب أن إسرائيل بالغت في السماح للقوات المصرية بالتوغل داخل سيناء. فحسب ما تنص عليه المعاهدة، لا يسمح لمصر نشر ولا دبابة واحدة قريبا من الحدود الإسرائيلية. أما الآن، وكما يشير إيتزيون، فهناك ما لا يقل عن كتيبة مدرعات على الجانب المصري من الحدود. قد يكون ذلك مقبولا طالما انهمكت مصر في قتال الدولة الإسلامية، ولكن كما يقول إيتزيون فإنه "إذا سقط السيسي صباح الغد فسيكون من الصعب جدا العودة إلى الترتيبات العسكرية القديمة"، موضحا سبب عدم شعور الجميع في إسرائيل بالسعادة إزاء هذه التطورات.
وأشار إلى أنه ما من شك في أن إسرائيل ومصر تتعاونان بشكل جيد في الشؤون العسكرية والاستخباراتية، كما أن إسرائيل تعكف على مساعدة السيسي في حشد تأييد أعضاء الكونغرس في الولايات المتحدة الأمريكية له أو في مواجهة معارضة الرئيس أوباما أو أوروبا له بسبب سوء سجله في مجال حقوق الإنسان. إلا أن مثل هذا التعاون له حدود.
وبحسب الكاتب، فإن إيتزيون يقول: "تكمن مصلحة إسرائيل، في نهاية المطاف، في الرمي بغزة إلى الأيدي المصرية، ولا أرى أن السيسي يقبل بهذه الصفقة".
ونوه الكاتب إلى أن الأغرب من ذلك أن إسرائيل تخالف السيسي في الموقف من "حماس".
وأشار إلى أنه بينما يدفع الجيش الإسرائيلي باتجاه هدنة طويلة المدى مع حركة حماس (بل باتت مثل هذه الفكرة الآن تلقى تأييدا في صفوف المتطرفين الإسرائيليين مثل وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت)، فإن مصر تعتبر هذه المنظمة الفلسطينية جزءا من مخطط إسلامي شامل يسعى للإطاحة بالنظام الحالي في القاهرة.
يقول مئير: "ترغب إسرائيل، وكذلك المملكة العربية السعودية، في تهدئة الأمور مع حماس، إلا أن السيسي يعارض أي تسوية في هذا المجال"، بحسب الكاتب.
وشدد رابورت على أنه لا يوجد لدى إسرائيل دموع تذرفها على ما تعرض له الإخوان المسلمون من قمع وحشي في مصر، إلا أن مصلحتها تكمن في شيء آخر. وترغب إسرائيل في أن تكون مصر مستقرة، إلا أن العنف المتنامي داخل مصر، والأهم من ذلك الجسارة التي أبدتها "الدولة الإسلامية" في الهجوم على مواقع الجيش المصري في وضح النهار داخل سيناء، وكذلك إطلاقها صاروخا ضد سفينة حربية مصرية، كل ذلك يشير إلى أن السيسي قد لا يتمكن من الوفاء بما يعد.
ووفقا لرابورت، يقول مئير، في إشارة إلى القمع الذي تتعرض له جماعة الإخوان المسلمين وأحكام الإعدام التي صدرت بحق مرسي والمئات من قيادات الجماعة: "تعتقد إسرائيل بأن السيسي يلعب بالنار. كان الأفضل للجميع أن يتوجه السيسي نحو التهدئة. ما من شك في أنه أفضل رئيس تتمناه إسرائيل في مصر، ولكن شريطة أن يبقى رئيسا".
وختم الكاتب حديثه بالقول: "بمعنى آخر، تريد إسرائيل من السيسي أن يكون سيسيا أقل"، في إشارة منه إلى رغبة إسرائيل في تهدئة الساحة المصرية والحفاظ على نظام السيسي واستقراره.