ها هي الذكرى الثانية لـ30
يونيو 2013 تطل علينا وسط مقاومة لم تكل ولم تمل، ولم تدع سلطة الانقلاب تهنأ بحكمها ليوم واحد، حتى وإن لم تستطع إسقطاها بشكل كامل حتى الآن، ووسط فشل يسابق فشلا لسلطة الانقلاب الحاكمة ولمشاريعها الوهمية مثل العاصمة الجديدة والمليون وحدة، وحتى جهاز "الكفتة"، ووسط المزيد من "عكشنة" المجتمع والإعلام حتى أصبحت حدوتة " أبلة فاهيتا" ومؤامراتها حقيقة لامجال لإنكارها.
بعد مرور عامين على الانقلاب على الديمقراطية الذي مهدت له 30 يونيو من المفيد إجراء جردة
حساب لما جلبته للشعب، وقبل الدخول في جردة الحساب يجدر التنبيه أن من شاركوا في 30 يونيو ليسوا سواء، فمنهم أصحاب المطالب المشروعة مثل الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، ومنهم أصحاب النوايا التآمرية على الثورة والديمقراطية والشرعية، وقد كان هؤلاء ال’خرون هم الأقوى تأثيرا، والأسرع إنجازا، وحتى يكون التقييم موضوعيا فلنرجع إلى الظاهر من أوراق يونيو، وأقصد بذلك تحديدا "استمارة تمرد" و"مانيفستو" 3 يوليو وما تلاهما، من وعود بالمن والسلوى والعسل المصفى للمصريين بعد إزاحة حكم الإخوان.
الوثيقة المؤسسة"ظاهريا" للثلاثين من يونيو وهي وثيقة حركة تمرد- التي تبين لاحقا للجميع أنها صنعت داخل أروقة المخابرات، ولقن نشطاؤها تلك الكلمات أيضا، وقبضوا الثمن سابقا ولاحقا سواء من سلطة الانقلاب في مصر أو الحكومات الداعمة لها في الخليج- هذه الوثيقة- تتضمن سبعة بنود أو مبررات لسحب الثقة من الرئيس مرسي، والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة مع التعهد بالتمسك بأهداف الثورة (المقصود ثورة يناير وقتها)، وتلك المبررات السبعة هي
علشان الأمن مرجعش للشارع ..
علشان لسه الفقير ملوش مكان ..
علشان لسه بنشحت من برة..
علشان حق الشهداء مجاش( أي لم يقتص لهم)
علشان مفيش كرامة ليا ولبلدي..
علشان الاقتصاد انهار وبقى قايم على الشحاتة..
علشان تابع للأمريكان
فما الذي تحقق من هذه البنود التي خرج "سيئو النية وحسنو النية" لأجلها، هل تحقق الأمن في الشارع؟ وماذا تقولون عن حوادث السرقة والقتل والاغتصاب التي أصبحت سلوكا يوميا معتادا؟ هل وجد الفقراء مكانا لهم في دولة
السيسي؟ وهل حنا عليهم فعلا؟ وماذا تقولون في الصعود الصاروخي للأسعار الذي ألهب ظهر الجميع خاصة الفقراء الذين لم يعد بإمكانهم التعبير عن ألمهم أيضا؟ هل توقفت "الشحاتة من برة"؟ وماذا عن حوالي 40 مليار دولار دخلت مصر منذ الانقلاب ولم ير لها "المواطن الغلبان" أثرا؟ وهل عادت حقوق الشهداء؟ أم وجدنا طابورا جديدا للشهداء يمتد ليشمل آلافا جددا، بينما خرج من قتلوا شهداء يناير كالشعرة من العجين أبرياء من تهم القتل، ولن يكون مستغربا أن يعودوا بطلبات تعويض على أسر الشهداء؟ وهل عدنا نسمع حسا لمن صدعوا رؤوسنا من قبل بضرورة القصاص العاجل لشهداء يناير( مع عدم إغفال ثوار حقيقيين لايزالون يرفعون هذا المطلب ويدفعون أثمانا جديدة من أجله)؟ هل عادت الكرامة لكم ولبلدكم يا من شاركتم في 30 يونيو ؟ ألم تعد مصر في ذيل الدول في كل التقارير الدولية، ألم تعد تحت رحمة دويلة لاتعادل حيا من أحياء القاهرة؟ وهذه الدويلة عينت لها مندوبا ساميا في القاهرة يشرف على إدارة البلاد وحسن إدارة التمويلات الواردة منها، ثم هي تتلاعب بكم الآن بعد أن جف الضرع ومات الزرع وتراجعت أسعار النفط، هل انتعش الاقتصاد بعد انقلاب يوليو؟ ألم تتراجع الاحتياطات الأجنبية رغم تدفق الدعم المالي من الخليج؟ وألم تتراجع السياحة حتى أصبحت أثرا بعد عين؟ وألم تتوقف الكثير من خطوط الإنتاج في المصانع؟ وتم تشريد آلاف العاملين فيها لينضموا إلى ملايين العاطلين عن العمل؟
على فرض صحة تلك المبررات –والمؤكد أنها غير صحيحة بل كانت مجرد "تلكيكة"- فقد كان المطلب الوحيد هو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهذا ما ينقلنا مباشرة إلى المرجعية الثانية وهي ما أطلق عليه "خارطة المستقبل" التي تلا بنودها الجنرال السيسي يوم 3 يوليو 2013( وهي بالمناسبة الخطة التي طرحها مرسي في آخر خطاباته باستثناء تعطيل الدستور والانقلاب على الرئيس)، والتي ذكر فيها السيسي أن "القوات المسلحة كانت هي بنفسها أول من أعلن، ولا تزال وسوف تظل بعيدة عن العمل السياسي" وأن "الشعب الذى يدعوها لنصرته لا يدعوها لسلطة أو حكم" كما ذكر أن خارطة المستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصري قوي ومتماسك، لا يقصي أحدا من أبنائه وتياراته وينهي حالة الصراع والانقسام، وجاءت بنودها كالتالي
تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت.
يؤدى رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة.
إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد.
لرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الانتقالية.
تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية.
تشكيل لجنة تضم كل الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذيتم تعطيله مؤقتاً.
مناشدة المحكمة الدستورية العليا لسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب، والبدء في إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية.
وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام، ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيادية وإعلاء المصلحة العليا للوطن.
اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب في مؤسسات الدولة، ليكون شريكا في القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة.
تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات.
فماذا تحقق من خارطة السيسي؟ من الواضح أنه لم يتحقق منها سوى تعطيل العمل بالدستور، وإسناد السلطة شكليا لرئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور، ليظل السيسي حاكما فعليا من خلف الستار، وتعيين حكومة هزيلة استمرت لبضع شهور فقط (يوليو 2013-فبراير 2014) لم تستطع خلالها تحقيق أي إنجاز، سوى إعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية والتحفظ على ممتلكاتها ومصادرة وإغلاق الجمعيات والمستشفيات والمدارس التابعة لها، كما تم تعديل الدستور إلى الأسوأ حيث تضمن تحصينا لمنصب وزير الدفاع لمدة ثماني سنوات، وتوسعا في المحاكمات العسكرية للمدنيين، ورفع بعض المواد المتعلقة بالهوية والشريعة .
كان الانقلاب الجديد على ما وصف بخارطة المستقبل متعلقا بالانتخابات الرئاسية المبكرة التي كانت هي الهدف المعلن من قبل، فقد تم ترحيل هذا الأمر لمدة عام كامل حتى أنهى السيسي استعداداته وترتيباته الخاصة داخل المؤسسة العسكرية، التي عين بموجبها صهره رئيسا للأركان، وعين خلصاءه في المواقع القيادية وذلك تجنبا لمحاولات الانقلاب عليه، كما أن السيسي رفض إجراء الانتخابات النيابية حتى الآن وحتى أجل غير مسمى، بسبب خشيته من نتائج هذه الانتخابات التي يسعى شركاؤه في الانقلاب من خلالها للحصول على نصيبهم من كعكة الحكم، وهو ما يؤرق السيسي خاصة مع الصلاحيات الكبيرة التي يمنحها الدستور( دستور 2012 واستمرت في تعديلات 2014) للحكومة والبرلمان على حساب رئيس الجمهورية، وهو ما يسعى السيسي حاليا لتعديله في الدستور، إضافة إلى نزع المادة التي تحصن منصب وزير الدفاع، والتي وضعت خصيصا له ولايريد لغيره الاستفادة منها.
أما الحديث عن تمكين ودمج الشباب ، فقد شهدنا عودة سريعة لدولة العواجيز، التي هتف يوما ضدها الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي في قصيدته التي صدح بها الثوار"الميدان" "آن الآوان ترحلي يا دولة العواجيز"، لكنه أي البنودي نكص عن قصيدته لاحقا لينضم إلى سلطة الانقلاب ودولة العواجيز قبل أن يفارق الحياة. وبخلاف اثنين أو ثلاثة من الشباب تم وضعهم في مناصب شكلية عقب الانقلاب مباشرة، وجدنا أن الأولوية دائما هي للعواجيز، وهذا ما يظهر على شكل مسؤولي الدولة حاليا.
أما المصالحة الوطنية التي دعت الخارطة لتشكيل لجنة عليا لها من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات، فقد وجدنا بديلا لها في القتل والتشريد، وتقسيم الشعب"إنتو شعب وإحنا شعب"، والتهديد بمزيد من المجازر كما ورد على لسان السيسي في إفطار رمضاني قبل عدة أيام ،حين لوح بالمزيد من المجازر على شاكلة مذبحة الحرس الجمهوري (8يوليو) ومذبحتي فض رابعة والنهضة (14 أغسطس) إذا لم يقبل الإخوان وأنصارهم الاستسلام لسلطته.
إن ماذا يتبقى "لحسني النية" الذين شاركوا في مظاهرات 30 يونيو بعد أن اكتشفوا الخديعة، وأنهم كانوا مجرد مطية للعسكر بحسب تعبير محمد البرادعي نفسه. لقد لعب العسكر بالجميع (إسلامين وليبراليين ويساريين ومحافظين) حتى يستردوا حكمهم الذي أعادته ثورة يناير للشعب، وأنتجت أول رئيس مدني منتخب لمصر عبر تاريخها كله، وقد آن الآوان أن يدرك الجميع خطيئتهم بحق الثورة وابتلاع خديعة العسكر سواء قبل الانقلاب أو بعده، وأن يكفروا عن هذه الخطيئة بالتحرك بقوة لاسترداد ثورة يناير، وهدم الدولة العسكرية ليحل محلها دولة مدنية ديمقراطية حديثة تسع الجميع.