كتاب عربي 21

روبرت فورد في رحلة خيال لا علمي

راميا محجازي
1300x600
1300x600
مازالت حكومة واشنطن تسعى كالأفعى بين المعارضة السورية محاولة استمالة بعض الأطراف، وتسليحهم ودعمهم من أجل ضمان تفتيت أي أمل في وحدة المعارضة السورية، ووحدة النهج والهدف والأداة و الأسلوب.  
     
وما كانت الكلمة التي ألقاها روبرت فورد السفير الأمريكي الأسبق في سوريا لمعهد الشرق الأوسط الأسبوع الفائت، والتي تناول فيها سيناريو تقسيم سوريا إلى ست دويلات، إلا محاولات تحريضية قذرة، ربما تستجيب لها بعض الجهات، إلا أنها سرعان ما ستعود إلى فطرتها الوطنية النقية - المحرك الأول لنضالها من أجل تحرير سوريا.  فمن المهم عند الحديث حول تقسيم أي دولة، أن يكون واقعيا و قابلا للتنفيذ بصورة منطقية، وهنا نتساءل هل السيناريوهات التي تطمح لها واشنطن والتي تحدث عنها  فورد- في كلمته حول إمكانية تقسيم سوريا إلى ست دويلات تمتلك تلك المواصفات؟ 

بأي منطق يتحدث فورد عن إمكانية تقسيم سوريا إلى ست دويلات! وهل تمتلك سوريا حاليا مقومات الدولة حتى يفكر بتجزئتها إلى ست دويلات رسمية ؟  
     
تحدث روبرت فورد عن دولة علوية على الشريط الساحلي، تقوم بالتعاون بين قوات الأسد و حزب الله المدعومين من إيران و روسيا على حد تعبيره، مغيبا حقيقة أن أهالي المنطقة الساحلية أغلبهم من العرب السنة، الذين يقفون ضد أي مشروع تقسيمي يخطط له على الأراضي السورية، و أن العلويين الذين يعيشون في قرى صغيرة خارج المدن، لا حول لهم و لا قوة دون قوات الأسد التي باتت تلهث أنفاسها الأخيرة، و تعيش على المنفسة الإيرانية - الروسية الزائلة، و قد نسيت أن العلويين الشرفاء قد رفضوا ذلك في مخطط سابق و آثروا وحدة الأراضي السورية . 
     

وأما عن الدولة التي تحدث عنها في شمال غرب سوريا والتي وحسب قوله ستكون تحت حكم جيش الفتح، الذي يضم جبهة النصرة أو بمعنى آخر يحاول فورد تصويرها على أنها دولة إسلامية تحكمها تنظيمات إرهابية متطرفة، فهذا السيناريو يا سيد فورد قد أصبح مجترا و مبتذلا فالسوريون اليوم على مختلف خلفياتهم العرقية و الدينية، يثمنون بشكل كبير الانتصارات التي حققها جيش الفتح الذي سوف ترونه في قلب العاصمة دمشق بوقت ليس بالبعيد.  
     
الإدارة الأمريكية مازالت تسعى حقيقة لتصوير التقسيم على أنه واقع لا مناص منه- بل هي تحاول أن تجعله واقعاً- ففي الشمال الشرقي تجهر بدعم قوات البيدا والبيوايجي سواء عبر قوات التحالف التي تفتح الطريق لهم من أجل إقامة ممرات حدودية للدولة الكردية التي يأملونها داخل الأراضي السورية، ومن خلال التنسيق الواضح مع قوات تنظيم الدولة، التي تعمل يدا بيد معهم لأجل تحقيق تغيير ديموغرافي في المنطقة، يخدم مشروعهم الانفصالي في المنطقة.  
     
وبالتزامن مع عاصفة الجنوب، التي - إلى وقت كتابة هذا المقال- ما زلنا ننتظر تحريرها لمدينة درعا والمنطقة الجنوبية بالكامل ، يأمل فورد أن تكون المنطقة الجنوبية بعد التحرير دولة يحكمها الجيش الحر، التي حسب ما حاول توضيحه ستكون مدعومة من الإدارة الأمريكية التي تعتبرها الفصائل الأكثر اعتدالا في المعارضة السورية، نذّكر بقول فورد: "ربما معظم الفصائل المسلحة ستتوحد في جبهة سياسية تتحالف تمامًا مع “المتطرفين” كتنظيم “الدولة” وجبهة النصرة؛ عندها ربما تستطيع المعارضة ومن بقي من النظام على قيد الحياة أن تجد طريقها للتفاوض بتشجيع ودعم من القوى الإقليمية ".  
       
ونحن نتساءل: هل ينطبق ما تحدث عنه فورد عن عاصفة الجنوب؟ وهل يحاول فورد بقوله هذا دس السم بين أفراد المقاتلين لأجل إثارة الفتنة مقابل وعود كاذبة بالدعم!
 
ربما صدرت بعض التصريحات الصحفية الفردية لمسؤولين تابعين للجبهة الجنوبية تقول برفضها التعامل والتنسيق مع جيش الفتح، الذي يضم النصرة والفكر المتطرف حسب وصفهم، إلا أننا اليوم نرى في معارك الجبهة الجنوبية أيادي النصرة تناصرهم في معاركهم ضد نظام الأسد، و لو كانت مجرد فصائل صغيرة، إلا أن هذا يقودنا إلى واقع من التعاون والتنسيق المبشر بين مختلف الفصائل المقاتلة ضد نظام بشار وتنظيم الدولة و ضد أي معتد على الأراضي السورية. 

من المعيب أن يتحدث سفير سابق للبيت الأبيض ورجل محسوب على الإدارة الأمريكية بشكل غير منطقي و لا عقلاني، و فيه من الاستخفاف في عقول السوريين و غيرهم – الكثير، لسبب بسيط يعرفه أكثر الناس جهلاً: عدم توافر أي مقوم من مقومات نشوء الدولة  (السكان أو الجغرافيا أو الحكم أوالسيادة)، وأي دولة لا تمتلك هذه المكونات الأربعة الرئيسية لا يمكن تسميتها بدولة، و خصوصا المكون الأخير و هو السيادة الذي يعني أن تتوفر السلطة القادرة على بلورة نظام سياسي، داخل مساحة محددة و تطبيقه على السكان الذين يعيشون ضمن هذه الدولة، دون الخضوع لأي عامل أو كيان خارجي. 

مع التركيز على بند مهم ومؤثر في عوامل نشوء أي دولة، وهو الاعتراف الدولي بها كدولة مستقلة ذات سيادة وطنية، و تمتلك شعبا و دستورا و جيشا و أرضا.  
     
وهنا نتساءل: أي دويلة من الدول الست المذكورة  يمكن أن تجمع هذه المقومات، حتى تمتلك حق الاعتراف الدولي بها، أو على الأقل اعتراف الدولة الراعية أمريكا؟    
     
لا يمكن كسب الاعتراف و الشرعية بأي دولة ولا تمثيلها على الخارطة، دون أن تتوافر فيها شروط من المستحيل تأمينها في ظل الصراع المعقد و العشوائي، الذي تعيشه القوى المتصارعة على الأراضي السورية . 
     
سوف نتجاوز الشرط الجغرافي الذي لا يمكن أن يكون إلا في خيال فورد، والشرط الاقتصادي الذي سيجعل أغلب الدويلات بحاجة إلى المعونات الدولية، والشرط السيادي لأنها دويلات ستعتمد على حماية خارجية، و سنتحدث عن الشرط البشري أو المقومات البشرية لإقامة دولة حقيقية وهذا ما يشمل: 

1. التركيب الديموغرافي للدولة ويتضمن الجوانب السكانية من حيث العدد والتركيب والتوزيع 

2. التركيب الإثنوغرافي ويتضمن الجوانب السكانية من القومية و الجنس و الدين 

أما العنصر الأول: فيطرح سؤالاً عن العدد: من بقي من الشعب السوري حياً و هل الأحياء قابلون للفرز عددياً وديموغرافيا. أم سوف تستورد كل دويلة شعباً من الخارج كما حدث في إسرائيل؟ 
أما العنصر الثاني التركيب الإثنوغرافي فنبدأ فيه بالقومية وهو مصطلح يعني الشعور برابطة انتماء الفرد إلى الأمة، و يدعمه التاريخ المشترك حصيلة تجارب الأمة و تضحياتها و إنجازاتها عبر مختلف العصور، والأمل المشترك، واللغة و سيلة نقل الفكر و التاريخ و التراث و نصل ثالثاً إلى وحدة الجنس أو العنصر، ومن حيث الواقع ليس هناك فئة قد احتفظت بنقاء عنصرها أو جنسها، و نصل أخيراً إلى الرغبة في التعايش والإدارة الحرة.  
     

لقد اختلطت مكونات الشعب السوري منذ عشرات السنين، وعاشوا تجارب مشتركة انصهروا فيها ووحدهم تاريخ من الظلم والقهر، حتى أصبحت آمالهم واحدة هي الحرية و الكرامة و السلام، وهم يتحدثون لغة واحدة هي العربية، تجمعهم مسلمين و مسيحيين عرباً و أكراداً و تركمان، أما الأكراد الذين يعرفون الكردية فهم قلة لا ينكر حقهم في الاحتفاظ بلغتهم و تراثهم، و لكن على أرض جمعها تاريخ واحد ومصير مشترك، و الأهم من ذلك أن الدين الغالب هو الإسلام، الذي لا يفرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى و العمل الصالح، ويحفظ حقوق الآخرين، وقد ابتكرت الجماعة المتطرفة لتشويه صورة الإسلام و زرع الفوبيا في قلوب البشر مسلمين و غيرهم. 
     

إذاً أوهام حق الأقليات في إقامة دويلات أهداف خبيثة، على الأقليات المتمردة أن تعرف ماهيتها قبل أن تكون ثمنا لمخططات أعدائها. 
0
التعليقات (0)

خبر عاجل