قضايا وآراء

في معنى الغياب

محمد ثابت
1300x600
1300x600
تلاحقني عيناكِ في الطريق، أجدهما هناك عند المنحنيات تحميان "تفكيري" من خطو أقدام العابرين، وتيِّه "طائش" آلات التنبيه، وعيون المتطفلين، أجدهما "هناك" عند أشجار باسقة..  تتمايل يمنة و"يمنة" فلا يسار في طريق تسيرينَ فيه معي! كما أجدهما عند أشجار تعاني "صخب" "روح" ترفض الخروج..  وتحتفظ بآخر وريقاتها..   

أجدكِ حولي عند طرق الغربة..  تحفظين "المحبة" فيّ، وإن في فورة موجة غضب "ضيعتُها"! 

   أجدكِ في المجرى الداخلي للدموع مني، مسار "اللسعة" المشتهاة، التي طالما تخيلتُها.. في لحظات افتقادها..  أفضل ما في الروح داخلياً، حينها، بل خير ما في الوجود الخاص بـ"رواها"، لما تمتلئ نفسي حسرة على بلدي، لما يكاد "سواد" العين أن يُزهقَ من فعل "الانقلاب" وأعوانه، أجدكِ في "مسرى الدموع" تتألقينَ..  تعرجينَ إلى الروح..  تأخذينها بعيداً عني..  أنتِ الوحيدة من الأحياء في الكون كلِّه، تلك التي يمكنها أن "تستلب" حتى حين روحي مني، تذهب بها إلى "مطار القاهرة" تعيدني إلى وطن وبلاد وأحباب..  وصحبة أرواح غادرتْ دنيانا، عيناكِ الوحيدتان تجتازان المفازات والمدى..  تجعلني هناك عند أقدام الحُلم، وجهاً لوجه مع المحال، يتبدد السراب من آفاق التائهينَ في الصحارى، البحر الميت يقوم من "إغفاءته"، الصحراء "الكاملة" الخالية تتمرد على يأسها، كل "مغادرة" تئوب إلى أحبابها..  

  من علامات السير على خيمة من "رحب" عينيك..  ألق يفتح جميع أبواب المعتقلات..  يقطع أوردة "الظلم" لدى السجانين، لا "جونتامو" هنا، لم يُغلقْ..  بل لم يكن له وجود من الأساس، ينمحي من خارطة العالم "العقرب" وكل "مؤسسة" ظالمة لعقاب الشرفاء ورفع راية أعدائهم.. 

  أجدكِ بهجة في حياة أقفرتْ من روح الحياة..  كيف قدمتْ أزهار الحرية بلاداً ليس فيها إلا المعتقلات؟ كيف أنرتِ للثوار دروباً ليس فيها إلا "الرصاص" ورحمتها "الخرطوش"؟..  كيف أعدتِ ألق نفوس كان الموت أقرب إليها من الوريد؟!  

  المُغني العجوز الكفيف الذي يوصل "سماعة داخلية" بفمه..  وتنداح عبر شفتيّه أغانٍ شديدة الحزن، وجيتاره..  كان عوداً شحيحاً فنما، الرجل الذي يتكسب بالأنغام..  يتحول مع الشجرة التي يستند إليها في "المترو"..  ينفتح عالم "مترو اسطنبول الأول" على "مترو القاهرة الخط الثالث"..  تأتي الورود بدلاً من "رشح مترو العباسية" و"موت" جميع خطوط مواصلات القاهرة وضواحيّها..  والمحافظات..  وقلوب أهل اليمن وبغداد والخرطوم وتونس والرياض..  تلك المدن التي كظاهر يد حُجبتْ الدماء عنها..  
 
  تسرينَ أفقاً ورُوحاً في مدن عرفتِ التيّه قبل الفطام..  والافتقار قبل إتمام العمران، تسرينَ "تنفساً طبيعياً" في أجساد قاربتْ فراق الأحياء..  ولم يعد لها أملاً في ذاتها، المُغني العجوز يتحول شاباً مفتول القوة، يغيظ الفتيات الخارجات.. ببراءتهن..  من المعتقلات للتو، المصابون يتسابقون لنيل شرف رؤياك، حياة ذبلتْ..  عوداً فارقه اللحاء يعود كتلة من ضياء بين يديك..   

  أما "مثلي" فله "قصة أخرى" مع "توهج غيابك"..  أجلس في مكان كنّا فيه معاً.. أتخيلني بين يديك طفلاً يتعلم الكلام..  مدناً تتلقى جرعات مكثفة من "التحرر" لا مكان فيها لا ل"الخرطوش" أو "التحرش"..  ألثغ كلمتي الأولى إليك، أتحدث إليك "نتفاً" من أحاديث متفرقة مختلفة، تنظرين بـ"توهج" وجدان إليّ..  إنني هنا أخرج من ذاتي إليك، أدمر عيادات الطب والعلاج النفسي، أتمثل راحة للبشرية كانت قبل أكل أبيها آدم، عليه السلام، من "التفاحة"..  قبل قتل قابيل أخاه، تعيدين ترتيب الأوراق..  ألق الأسماء..  كيف يُسمي الناس أبناءهم باسم القاتل..  كيف "تعبد" الشعوب أصحاب "القوة" وتترك الحقوق والاستحقاقات الانتخابية؟!   

أناقش معك اقتصاديات الأسواق، و"أسرح" مني..  كما كنتُ "ساعة تلمس" الخطوة الأولى إلى الحياة، أقول لك عن تكون "قطيرات الندى" شلالات..  تدفق "الشعوب" إلى الميادين، أتأثر وأنا أتذكر دوران أفقها وحلول الظلام رغم حار الأمنيات..  

   تحنين على جرحي، تعيدين إلي بلدي..  طاهرة نقية..  بريئة..  على أفضل حال مما كانت قبل العسكر.. قبل حلول بلائهم بمدننا..  تورق أشجاري كما حنيني إليك..  تتمادى المدن في التدفق "قادمة" بأحبابها نحو آفاق..  الغد..  والشمس..  

كل هذا وأنت لستِ هنا..  فماذا لو جئتِ؟!   

 حُلماً رقراقاً بين إنسان العين والجفن، فيضاناً يروي العطاش ويشفق على القرى والنجوع من "مغبة" سرعة جريانه، مُعلماً للتاريخ يستفيد من جميع إمكانياته..  ويتعلم من أخطائه ويهديها للتيار صاحب الحق الذي تاهتْ فيه الأسماء..  وتاهت المُسميات منه..  ولم تسفر شمسه عن شيء..    
إلى عالمي "متوهجة" في الغياب تتألقين..  فماذا عن "حضورك"؟!  
0
التعليقات (0)