مقالات مختارة

التهديد الأكبر لحرية التعبير لا يصدر عن الإرهاب وإنما عن الذين يدعون بأنهم يحاربونه

غلين غرينوالد
1300x600
1300x600
كتب غلين غرينوالد: علمنا موخرا من باريس أن العالم الغربي ملتزم بقوة بالدفاع عن حرية التعبير وأنه مستعد للذود عنها والقتال ضد محاولات كتمها. ما من شك في أن ذلك شيء جيد بالفعل، نظراً لوجود محاولات عديدة لكتم حرية التعبير في الغرب، لا يقوم بها الإرهابيون وإنما السياسيون الغربيون الذين يدعون بأنهم يحاربون الإرهاب.
 
أحد النماذج المفزعة والأكثر إزعاجا مصدره، ولا غرابة إطلاقا في ذلك، حكومة المملكة المتحدة والتي هي الآن بصدد منح نفسها صلاحيات جديدة لمحاربة الإرهاب "بما في ذلك خطط لتشريع إجراءات لمنع التطرف مصممة للحد من نشاط من يسعون لإيقاع الناشئة في حبائل التطرف". وفي ما يأتي نبذة عن الصلاحيات التي يسعى في سبيل اكتسابها المدافعون عن الحرية وحماة الديمقراطية في بريطانيا:
 
تتضمن هذه الصلاحيات حظر البث وطلب الإذن مسبقاً من الشرطة على كل ما يراد نشره من خلال الإنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي أو الصحافة المطبوعة. وسيتضمن مشروع القانون الخاص بذلك خططاً بإصدار أوامر بحظر المنظمات المتطرفة التي تسعى للنيل من الديمقراطية أو تستخدم خطاب الكراهية في الأماكن العامة، ولكنها لا ترقى إلى الحظر بسبب إثارة الكراهية.
 
ستشتمل على صلاحيات جديدة لإغلاق الأماكن مثل المساجد حيث يسعى المتطرفون إلى التأثير على الآخرين، كما أنها ستتعزز صلاحيات مفوضية الجمعيات الخيرية لإغلاق الجمعيات الخيرية التي تسيء استخلام الأموال وتسخرها لخدمة التطرف والإرهاب.
 
لن يقتصر الأمر على تجريم ما يمكن أن يعتبره السياسيون البريطانيون إرهاباً سواء كان دفاعاً عن أفكار معينة أم ممارسة لنشاط معين، بل يتعداه إلى استصدار أمر بحظره مسبقاً. وبينما احتفل رئيس الوزراء دافيد كاميرون بما حققه من انتصار في الانتخابات، فقد ذهب يشرح الحاجة إلى صلاحيات جديدة تمنح للشرطة في مجال الرقابة على الفكر قائلاً: "لقد كنا ولأمد طويل مجتمعا متسامحا مسالما، نقول لمواطنينا طالما أنكم تتقيدون بالقانون فسنترككم وشأنكم". ولكن لا يكفي أن يتقيد الرعايا البريطانيون بالقانون، عليهم أن يمتنعوا عن تبني الأفكار التي لا تروق لحكومة الجلالة ويتجنبوا التعبير عنها.
 
إذا كان كل ذلك يبدو لك خطيراً، طغيانياً وحتى فاشستياً - وأنى له ألا يبدو كذلك؟ - فما عليك إلا أن تستمع إلى تصريحات وزيرة الداخلية تيريزا ماي التي حاولت في مقابلة مع برنامج الصباح على قناة البي بي سي تبرير مشروع القانون. فحينما سئلت وبإلحاح عن معنى التطرف – وخاصة في حالة أمر يتجاوز الخط الفاصل ما بين عدم الموافقة المشروعة وما يمكن أن يعتبر "تطرفاً" إجرامياً - تهربت من الإجابة على السؤال بشكل تام، وراحت بدلاً من ذلك تكرر رفع شعارات مرعبة حول الحاجة الماسة إلى وقف أولئك الذين يسعون إلى "تقويض قيمنا البريطانية" والتأكيد على "أننا نقف معا كمجتمع واحد، كأمة واحدة". (أنا شخصيا أعتقد أن ذلك كان مستساغًا أكثر في الأصل الألماني).
 
الخطر الذي يتهدد حرية التعبير يمكن أن يأتي من أماكن كثيرة، ولكن الخطر الأكبر في هذا الوقت في الغرب على قيم حرية التعبير لا يصدر عن المتطرفين المسلمين، وإنما عن نفس الحكومات الغربية التي تدعي أنها تدافع عنها. حينما تستمع إلى المسؤولين في المملكة المتحدة وأستراليا وفرنسا ونيوزيلندا وكندا، يهيأ إليك كما لو أنك تستمع إلى ديك تشيني، حيث انضمت هذه الدول إلى الولايات المتحدة الأمريكية في رغبتها الجامحة في تقييد الحريات تحت شعار حمايتها، وذلك من خلال إحالة الناس إلى المحاكمة بسبب ما يكتبونه في فيسبوك من انتقادات للعسكرة الغربية أو بيع قنوات الكيبل المتطرفة، وسجن الناس لمجرد تغريدات قد تعتبر متطرفة، وحظر المواقع على الإنترنيت إذا كانت تحوي أفكارا غير مرغوب فيها، والسعي من أجل الحصول على مزيد من الصلاحيات لفرض الرقابة والتنصت واستصدار أوامر الاعتقال بحق الناس (والذين يكونون في العادة من المواطنين المسلمين ولكن لن يقتصر الأمر عليهم) ممن يعتنقون وجهات نظر قد تقدر الحكومات بأنها "متطرفة".
 
ترقبا لمشروع قانون "مكافحة التطرف" الذي سيتقدم به رئيس الوزراء كاميرون (والذي سيكشف النقاب عنه في "خطاب الملكة")، صرح البروفيسور في جامعة باث بيل دورودي بأنه "قد تم الآن إغلاق نافذة حرية التعبير بشكل محكم بعد شهور قليلة فقط من اصطفاف عدد كبير من الزعماء السياسيين وسيرهم في تظاهرة تضامنية مع رسامي الكاريكاتير الذين قتلوا غيلة في فرنسا". وواقع الأمر أن ثمة عدوانا مستمرا وشاملا في الغرب على الحريات السياسية الأساسية من فترة طويلة – وخاصة في ما يتعلق بالإجراءات القانونية السليمة، وبحق التعبير وحق التجمع، وهذا العدوان لا يرتكب فقط من قبل "المتطرفين المسلمين" بل وأيضا من قبل من لا يفترون عن الزعم بأنه في حرب معهم. من المحزن أن مثل هذه الإجراءات الكاتمة للحريات لم تتسبب في خروج أي من الإعلاميين أو المثقفين الغربيين للتظاهر ضدها والاحتجاج عليها والتنديد بها. أما بالنسبة لمن يؤمنون بحق بمبادئ حرية التعبير – وليس الذين يتظاهرون بالدفاع عنها حينما تتيح لهم الفرصة للنيل من الآخر المخالف أو المختلف – فإن هذه الاعتداءات هي التي بحاجة حقا إلى مسيرات وتظاهرات للتنديد بها.  

(الأربعاء، 13 أيار/ مايو 2015- ترجمة وتحرير: عربي21)

* للرجوع إلى المقال باللغة الإنجليزية: اضغط هنا
التعليقات (0)