1-
"غاضبون لأنك لا تغضب يا سيادة الرئيس، وتصر على أن تكون مؤدباً، ودوداً، بينما خصومك يضربونك ويضربون
مصر في كل أنحائها، كن فاشياً. أرنى تكشيرتك. اشف غلنا، وثُر لشهدائنا، وإذا كان ثمن دمائهم أن تحرق
سيناء بأخضرها ويابسها.. فأحرقها. افرشها (نابالم) لتتطهر. أفرغها من سكانها، ففيهم طيبون.. لكن أغلبهم بيئة موت، وحاضنة لحى كافرة، اذهب إلى عدوك وعدونا وعدو الله في مخدعه. لا تلاحقه.. بل بادره بموته. اذبحه حتى وهو يتوسل ويستحلفك بحرمة الدم. فهو كذوب، لا يعرف للدم حرمة، ولا تجوز عليه رحمة".
هذا عينة مما كتبه محمود الكردوسي بعد هجمات العريش الإرهابية منتقدًا لين الرئيس عبد الفتاح
السيسي، طالبه بفرش سيناء بالنابالم، واتهم غالبية سكانها بالكفر ملمحًا إلى أن الطيبيين أقلية هناك، وتمنى لو ذبح السيسي خصومه دون ملاحقة ولا محاكمة.
يرى أن الشدة واجبة الآن وأن السيسي تهاون سابقًا بما فيه الكفاية.
2-
إحصائيات "ويكي ثورة" تقول إن 3248 قتيلًا سقطوا في فض الاعتصامات والاشتباكات وأحداث العنف والاعتداء على المظاهرات في عصر السيسي، وأصدرت الحكومة تشريعات تنظم/ تمنع التظاهر دون الحصول على تصريح، وتنفيذا لذلك اعتقلت عشرات النشطاء الذين ساهموا في إسقاط نظام الإخوان، وقتلت بعضهم حتى من كان يحمل الورود منهم كالشهيدة شيماء الصباغ.
في بيان أرسلته منظمة العفو الدولية إلى لجنة تقصي حقائق ما بعد 30 يونيو، قدرت المنظمة عدد المعتقلين في مصر في الفترة بين يوليو 2013 ومايو 2014 بـ40 ألف شخص، مشيرة إلى وفاة 80 معتقلا داخل أماكن الاحتجاز، كما اتهمت المنظمة السلطات المصرية بتخويف الشهود وإتلاف الأدلة، بهدف التغطية على قتل أجهزة الأمن للمحتجين.
في سيناء نفذت القوات المسلحة مئات الطلعات الجوية وقصفت مئات المواقع وتنفذ يوميا العشرات من حملات المداهمات، وأخلت كيلو متر كامل بطول الحدود مع قطاع غزة، وفي الإعلام منعت الدولة/ رجالها أي صوت مخالف من الظهور مذيعًا كان أو ضيفًا، ليصبح الظهور في الفضائيات والكتابة في الإعلام قاصرًا على الكردوسي وأشباهه.
في المحاكم تضرب المطارق على رؤوس المتهمين قبل أن تضرب على المنصات، أحكام بالإعدام بحق المئات من الجلسة الأولى، حكم بالمؤبد على 230 ناشطًا في قضية مجلس الشورى دون دفاع، أحكام بالحبس ضد قُصّر وأطفال ونساء، وفي الجامعات جيوش جرارة تواجه الطلاب فتقتل بعضهم وتعتقل الكثيرين، قرارات بالفصل ضد طلاب شاركوا في مظاهرات وإقالة لعمداء ورؤساء جامعات وأعضاء بهيئات التدريس لأسباب سياسية.
3-
بعد كل هذا يعتقد الكردوسي أن السيسي تهاون وطبطب ودلّع، ويطلب منه أن يكون حاكما فاشيا، وكأن كل ما فات كان حوارًا وتوافقًا وحرية.
كنا نعتقد أن فشل القتل المتبادل والحلول الأمنية في احتواء الأزمة منذ 3 يوليو سيدفع السلطة ودراويشها للتفكير في بدائل أخرى، لكنهم توصلوا إلى نتيجة أخرى، وهي أن السياسات الحالية ليست عنيفة بما يكفي وعليه يجب البحث عن سياسات أكثر عنفًا، وبعدما كتبوا بكائيات عن بشاعة
داعش وبربريتها، يطالبون رئيسهم الآن بقطع الرؤوس دون محاكمة وزرع أرض سيناء بالنابالم بدلا من تحصينها بالتنمية، وإعمال آلة الانتقام والقتل دون حساب.
انشغلنا كثيرًا بالبحث عن وكلاء "داعش" في مصر، لكن بينما كنا نبحث عنهم في بطون الجبال والأنفاق السرية كانوا موجودين أمامنا على الشاشات وحولنا في مراكز القيادة وصنع القرار، هؤلاء من يقودون مصر لمصير سوريا والعراق بتكرار تجارب بشار وصدام والمالكي، اعتقدوا أن السعي لإبادة خصومهم خوف على الوطن، والنتيجة أن بقي خصومهم وضاع الوطن.
أصبحنا أسرى لوكلاء الدم في الجهتين، جهة تريق الدم باسم الدين وجهة تريقه باسم الوطن، والحقيقة أنه لا الدين سينتصر بقتل جندي يقف أمام كتيبة أو تفجير أمام قسم شرطة، ولا الوطن سينتصر بقتل متظاهر يشارك في مسيرة أو منع صوت معارض من الكلام.
الأزمة أن أصوات العقل منبوذة في الطرفين، وحناجر الفتنة والتحريض تسيطر على إعلام الفريقين، فهناك موتور يعلن رصد عناوين ضباط الشرطة تمهيدا لقتلهم، وهنا مأجور يطالب بسحق أي مظاهرة للإخوان بالرصاص الحي، وكلما زاد العنف من جانب طرف استخدمه الطرف الآخر لإقناع أعضائه بأنهم لن يحسموا المعركة إلا بعنف أشد، وكلما زاد عدد المقتنعين بخيار العنف كلما أصبحنا أقرب إلى الحرب الأهلية الكاملة.
يتناقص يقيني تدريجيا بأن ما أكتبه عن رفض العنف المتبادل وضرورة وقف شلال الدماء قادر على تغيير شيء وسط هذا الطوفان الهادر من الكراهية، لكنني سأظل أكتب ما أراه حقا وما أثبتت تجارب السابقين أنه المخرج الوحيد مما نحن فيه؛ إن لم يكن ليقرأه صاحب قرار ليدرك أنه على الطريق الخطأ، فلإثبات الموقف وإعلان البراءة أمام الله والناس من المصير الذي يزيد هؤلاء المجانين دفعنا إليه.