كتاب عربي 21

غربال موسكو حصاد ثوار الفنادق

راميا محجازي
1300x600
1300x600
فيما تواصل أطياف المعارضة السورية مساعيها نحو عام أقل دموية وعنفاً على الشعب السوري، تتغير التضاريس السياسية للمشهد السياسي السوري محذرة الشعب من إبداء أدنى تفاؤل مأمول في مستقبل الصراع لعام 2015. 

فبرغم الجهود الدولية المكثفة لاحتواء الصراع في قالب سياسي، تتزايد الخلافات والتشنجات في العلاقات بين مختلف أطراف المعارضة، فها هي أطراف ثورية تعلن رفض أي مبادرة أو حل لا يكون على رأسه رحيل الأسد، وأجهزته الأمنية، في خطوة ثابتة تهدف إلى التصدي للرغبات الدولية الباحثة عن تفاهمات سياسية، بين المعارضة والنظام، التي للأسف قد حازت على قبول مبدئي للتحاور عليها من الائتلاف السوري المعارض، وبعض الشخصيات المستقلة. 

على هذا الحال نجد أحوال المعارضة السورية فيما بينهما تعود إلى نقطة اللاتفاهم، مخيبة بذلك الآمال في الوصول بالمعارضة السياسية إلى مرحلة الجسد الواحد، أو الرؤية الواحدة على أدنى حال. 

وكيف لا تشتعل الأجواء السياسية في البيت الثوري المعارض، والتصرفات الفردية اللامسؤولة، من بعض قياديي المعارضة تنحو للاندماج في قوالب المصالح الدولية، مهمشة بكل صفاقة المطالب الشعبية التي دفع لأجلها كل نفيس. شخصيات هائمة وراء رغباتها في زعامات جاهلة أو متجاهلة أن الزعامات الحقيقية لا يمكن أن تأتي في قوالب غربية، و خصوصاً في وقت الثورات، وإنما تبنى على أساس المواقف البطولية والنضالية وتخرج من لب المقاومة الشعبية. 

بكل تأكيد لا يمكن تجاهل الدور الإقليمي والدولي في دعم المعارضة، وأهمية الحفاظ على علاقات طيبة مع الداعمين لها، وكسب تأييدهم ودعمهم، ولكن دون تجاوز للمحددات الأساسية التي صاغتها إرادات شعبية ووقعت عليها بالدم. بالنتيجة لن تملك أي جهة سياسية فرض إراداتها أو إملاءاتها إذا ما تعارضت مع المطالب الشعبية، فالقول الفصل في أي تنازلات أو تعديلات في سقف المطالب، هو للمقاتلين على الأرض، من يحملون السلاح، ويسيطرون على الأوضاع الميدانية، وأي اتفاقيات أو حوارات لن تكون فاعلة أو بناءة إذا ما لم تستمد من مطالبهم، ولم تراع مصالحهم، ولم تكن من أولوياتها دعمهم وحمايتهم، ومختصر القول أنها لن تكون سوى حبر على ورق. 

المجتمع الدولي يدرك تماماً أن الشخصيات المعارضة التي تتعامل معه لا تملك أدنى قدرة للسيطرة على قوات الجيش السوري الحر، وإن امتلكت تفويض بعض الكتائب فهذا لا يغير على الأرض شيئاً ومع ذلك فهو يبذل الجهود السياسية للوصول إلى تفاهمات معها، فإلام يرمي وما الذي يجنيه من هذه الجهود؟ وما النتائج المتوقعة من تحركاته؟

عملياً: لا بد من التركيز على أن ما يحدث اليوم من لقاءات مع المعارضة السورية، يأخذ صفة التحاور الذي سيمهد لتفاوضات يتوقع أن تكون في موسكو، وعليه تكون صيغتنا عند التساؤل: لماذا التحاور أولاً؟ نعتقد أن الحوار مع المعارضة السياسية واللقاءات كافة التي تمت وتتم بين شخصيات من المعارضة والنظام تهدف إلى دراسة أطراف الصراع بداية (الشخصيات السياسية و الثورية من هي؟ وكيف تفكر؟ وإلام تهدف؟ وما هي مطالبها؟ ومقدار تماسكها؟ ومصداقيتها وقدرتها على التأثير وتقبل باقي أطراف الصراع لها؟) ومن ثم وضع تقارير دقيقة عن كل منها، تضمن توصيات لطريقة التعامل معها، ومدى تأثيرها وفائدتها، وحجم التنازلات التي يمكن أن تقدمها، وفي الوقت نفسه مدى إمكانية بناء صيغ تفاهم وتعاون معها، وبعد هذا يتم دراسة هذه التقارير بدقة لبناء استراتيجية تفاوضية، يمكن أن تكون ملبية للطموحات في المراحل القادمة، حيث يتم رصد أهم التحركات والتجاذبات بين أطراف المعارضة والنظام، بشكل يتم فيه التركيز حتى على التعابير والانفعالات. وأخيراً: يتم تحديد الأدوار واستبعاد من لا جدوى من وجوده والوصول إلى قرار. 

ولكننا نعود هنا إلى التساؤل: ماذا عمن يرفض الحوار؟ ماذا عمن لا يقبل التفاوض مع نظام مجرم؟ من لايزال مخلصاً لمطالب الثوار وأهداف الثورة؟

إن من يقرأ ما يسرب من حوارات لا بد أن يفهم أن المجتمع الدولي قالها صراحة: السوريون خارج الخطوط الحمراء للانتهاكات الدولية، أمرهم لم ولن يهم المجتمع الدولي يوماً، فهو يراقب ويرى، ويصرح منذ أربعة أعوام بأنه يشاهد ويرى، بل ويوثق أيضاً كل أنواع الانتهاكات الإنسانية وأعمال العنف اللاأخلاقية، التي تمارس بحقه وهو غير معني إلا بمصالحه في المنطقة. 

مطالب الثورة السورية لا يمكن أن تتحقق بالحوار أو التفاوض بعدما عسكروها وحولوها إلى حرب متشعبة الأطراف وشديدة التعقيد. السوري يرى اليوم أن نظام الأسد هو عدوه الأكبر والأشرس، ولن ينفك عنه ظلم هذا النظام واستبداده واستعباده البلاد والعباد، ما لم يواجهه بالبنادق لا بنوم ثوار الفنادق الذين حصدوا حتى اليوم موقعهم في غربال موسكو.
0
التعليقات (0)