كم أنتم مضحكون يا أهل الحكم !
يبحث من يجلس في السلطة في
مصر اليوم عن أي ذريعة لإظهار أنه يحكم البلد بلا منازع، وأن حكمه شرعي، ومستقر، لذلك تراه يستدل بما حدث أمس الجمعة 28 نوفمبر 2011، فيما سمي بانتفاضة الشباب المسلم.
ترى أهل الحكم يصورون لك أن حراك الشارع قد انتهى أو أن أي حراك حالي فهو من تخطيط "إرهابيون"، وأنهم قد قضوا على كل التظاهرات المضادة للانقلاب العسكري، بينما هم يهدفون إلى وأد أي حراك مستقبلي ضدهم.
ويتناسون أنهم قد فعلوا في هذا اليوم ما لم يفعلوه منذ شهور، وشحنوا القوات شحنا إلى الشوارع، والحقيقة أن اليوم – بغض النظر عن اتفاقي أو اختلافي معه فهذا ليس موضوع المقال – لم ينجح، ولكنه لم يفشل، فالأعداد كانت معقولة قياساً إلى حالة الاستنفار الأمني غير العادي، والتظاهرات كانت في أغلب المحافظات، ولكن القوات كانت أيضا كبيرة جدا.
يحاول أهل الحكم أن يظهروا هذا الحدث وكأنه أهم ما جرى في بر مصر خلال الأسابيع الماضية، والحقيقة أن أهم ما جرى كان أمرا آخر.
الحدث الكبير الذي لم يحدث في تاريخ الدولة المصرية من قبل هو قرار المحكمة العليا البريطانية الذي يفتح الباب لإمكانية مقاضاة أعضاء الحكومة المصرية وهم ما زالوا على رأس عملهم إن وطأت أقدامهم أرض المملكة المتحدة.
فقد وافق الادعاء العام (البريطاني) على قرار تم ختمه في المحكمة العليا في لندن يوم السادس والعشرين من نوفمبر 2014 يجعل من إمكانية مقاضاة أعضاء الحكومة المصرية في المملكة المتحدة أمراً وارداً جداً.
ويؤكد القرار بأن أعضاء الحكومة المصرية يمكن أن يحقق بشأنهم لمعرفة ما إذا كانوا متورطين في ارتكاب جرائم دولية، بما في ذلك التعذيب، بهدف مقاضاتهم مستقبلا، وذلك بالرغم من كونهم حالياً يشغلون مناصب وزارية.
وجاءت موافقة دائرة الادعاء العام خلال إجراءات مراجعة قضائية تم التقدم بها نيابة عن حزب الحرية والعدالة المصري لدى المحكمة العليا في لندن.
لقد قامت بريطانيا بفتح تحقيق في الادعاءات التي يحتويها الملف المقدم من محامي حزب الحرية والعدالة، والتي يمكن بناء عليها توجيه تهم لأعضاء الحكومة المصرية التي تشكلت بعد انقلاب 2013 وكذلك إلى أعضاء في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بالتورط في جرائم ضد الإنسانية بما في ذلك التعذيب والتسبب في موت الآلاف من المحتجين السلميين في ميدان رابعة.
حادثة مهمة جرت في الثالث من مارس 2014، حيث طلب الفريق القانوني الممثل لحزب الحرية والعدالة موافقة مدير دائرة الادعاء العام على مذكرة توقيف خاصة بحق وزير الصناعة والتجارة الخارجية المصري السيد منير فخري عبد النور حيث كان في رحلة إلى المملكة المتحدة.
وقد ردت دائرة الادعاء في الرابع من مارس 2014 قائلة بأن وضع السيد عبد النور كونه وزيراً “يمكن أن يضفي عليه حصانة بموجب القانون الدولي العرفي”. وإثر ذلك قام الفريق القانوني بإجراءات المراجعة القضائية لدى المحكمة العليا بهدف الاستئناف ضد موقف دائرة الادعاء بشأن قضية الحصانة.
ولكن، وقبل أن تتم جلسة المحكمة العليا للبت في المراجعة القضائية، أقرت دائرة الادعاء من خلال رسالة رسمية لمحامي “اي تي ان” بأنهم لم يقرروا أن السيد عبد النور وغيره من أعضاء الوزارة يتمتعون بالحصانة. ووافقت دائرة الادعاء على هذا الموقف من خلال أمر صادر لدى المحكمة العليا مفاده “أن الادعاء العام لم يتخذ قراراً بأن السيد عبد النور (وغيره من أعضاء الوزارة) يتمتعون بالحصانة” من المقاضاة.
إذا ... أصبح رجال الدولة المصرية اليوم عرضة للتحقيق (وربما أكثر من التحقيق) وهم ما زالوا على في السلطة، فهل يمكن أن نتخيل مستقبل هؤلاء بعد عدة سنوات؟
لقد قررت حكومة الانقلاب أن تصدر ما سمي بتقرير "لجنة تقصي الحقائق" في هذا الوقت، وخلاصة التقرير أن الحكومة بريئة من دماء الآلاف من القتلى، وأن المعتصمين هم الأشرار، وأن الشرطة ينبغي أن تطور نفسها، ولكنها لم ترتكب جرما، بل قامت بعملها !
فجاء الرد على هذا الإفك من
القضاء البريطاني، هذا القضاء الذي ما زال يحافظ على استقلاله وتقاليده العريقة، ولا يجرؤ أي صاحب سلطة في المملكة المتحدة على أن يفكر في مجرد الاقتراب من قراراته.
إن أهم ما جرى خلال الأسابيع الماضية هو هذا القرار، وليس تظاهرات الأمس (نجحت أو فشلت ... لافرق)، وليس الحكم على مبارك اليوم، فالرئيس المخلوع سينجو بجلده حتى تحكم
الثورة، وحينها سيحاكم بالجرائم الحقيقية التي ارتكبها مع سبق الإصرار والترصد خلال ثلاثين عاما من الخيانة.
يا أهل الحكم ... ما أغباكم ... الثورة مستمرة، وأنتم تخسرون كل يوم، والثوار يتقدمون، صحيح أنهم مختلفون اليوم، ولكنهم سيتحدون غدا.
يا أهل الحكم ... ساذج من يظن أن المعركة قد حسمت !
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...